لم يؤسس علم الاجتماع فقط.. ابن خلدون استبق ميلاد علم الاقتصاد

عقدت بمدينة إسطنبول التركية فعاليات “مؤتمر ابن خلدون الدولي الخامس” تحت عنوان “الطاقة والتنمية الاقتصادية والأخلاقية”، وشارك عشرات من الباحثين في المؤتمر الذي نظمته جامعة ابن خلدون التركية.

وسعى المؤتمر إلى استخدام منهج مؤسس علم الاجتماع عبد الرحمان بن خلدون (1332-1406م) لفهم وشرح الواقع الحالي، من حيث المواجهات والاختلافات والإشكاليات، عن طريق الاستفادة من أكبر عدد من الخبرات المتاحة من قبل الباحثين.

كما سعى المؤتمر في جلساته إلى تناول تصنيف ابن خلدون للقانون والأخلاق في العلوم الإسلامية، وإعادة تناول نظريته عن العصبية والأخلاق والفناء في كتابه الشهير “العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر”.

وتناول المؤتمر تقاطعات السلطة والاقتصاد والمجتمع في الفكر الخلدوني مع النظريات والتطورات المعاصرة، فبينما تركز العديد من الدراسات عن النظرية الخلدونية على دور العصبية والروابط القبلية والقرابة في إنشاء الممالك، لم تنل آراؤه حول دور تراكم الثروة والنزعة الاستهلاكية في إفساد أسس الدولة (المُلك) الكثير من الاهتمام.

وكان ابن خلدون قد افترض أنه مع مرور الزمن وتقادم أسس العصبية، ستأخذ ممارسة السلطة طابعًا بنيويا فتتآكل العصبية، وبالتالي تضعف رغبة الأجيال اللاحقة في التضحية برفاهيتها من أجل الأجيال التالية لها، عكس ما كانت عليه حال الجيل المؤسس، وهو ما يؤدي في نظر ابن خلدون إلى “الترف” وضعف الوازع الأخلاقي، أما على مستوى توازن السلطة فتؤدي هذه الظاهرة إلى تراجع دور الجيش وتدخله في السياسة الداخلية.

وافتتح الأكاديمي الأميركي من أصول فلسطينية وائل حلاق محاضرته المعنونة بـ”التأثير والأخلاق.. من ابن خلدون إلى الرأسمالية الحديثة”، متناولاً الروابط المعرفية بين الثروة المادية من ناحية، والتكوين الأخلاقي الفردي والجماعي من ناحية أخرى، في سياق الصعود والسقوط الخلدونيين. وكذلك مفاهيم الحرية والعلاقة بين الوفرة المادية والأزمة الأخلاقية في مشروع التحديث.

الاقتصاد عند ابن خلدون
وفي الجلسة الأولى، استشهد بروس لورانس من جامعة ابن خلدون بتكريس روبرت إيروين في كتابه “ابن خلدون.. سيرة فكرية” سبع صفحات (من أصل 208) لموضوع ابن خلدون في الاقتصاد، مشيرا إلى أن ابن خلدون عاش وعمل وكتب في وقت لم يُخترع فيه الاقتصاد الحديث بعد، ولم يكن له أسلاف مغاربيون ولا أسلاف أوروبيون أو آسيويون أو أفارقة كذلك، لكنه مع ذلك تناول مفهوم “دائرة العدل” التي تنطوي على مفاهيم التسلسل الهرمي والمكانة والمعاملة بالمثل، وهذه المفاهيم أساسية للتجارة والدخل والنفقات والضرائب، ولكن على مستويات مختلفة.

وتبع ذلك مناقشة محمد هامور من الجامعة ذاتها ورقته المعنونة بـ”طريق مسدود للتاريخ: القطبية الليبرالية الاستبدادية والنظام الأخلاقي”، التي اعتبر فيها أنه في غياب “التقدم” الاقتصادي يكون النظام الليبرالي عرضة للصراع والإحباط وصعود الشعبوية والتطرف. وخلافًا لمقولة فرانسيس فوكوياما الشهيرة حول نهاية التاريخ، اعتبر هامور أن لغزنا السياسي المعاصر هو “طريق مسدود” للتاريخ ولا يمكن الهروب منه إلا من خلال اللجوء إلى المبادئ السياسية ما قبل الحديثة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.