العنف الأسري ضد الأطفال
مجلة اصوات
يُعتبر العنف ظاهرةً مهدِّدة لأمن الأطفالِ وسلامتهم، إذ إنَّهُ سُلوك خفيٌّ غير معلنٍ أو مصرح به، ويشهدُ الأطفال ممارساتٍ مؤذية تنتهكُ حقوقهم النفسيَّة أو الجسديَّة وحتى الجنسيَّة، والعنف سلوكٌ قديمٌ وظاهرة تاريخيَّة يتسبّب بمشاكل عديدةٍ للأطفالِ الذين يتعرَّضون له أو يعانون من تبعاته، ويستمرُّ تأثيره عادةً إلى مراحلَ مختلفة من حياة الطِّفل، فيؤثِّرُ في بنيةِ الطفلِ وتكوينه ومسالكه وانطباعاته وتفاعلاته، كما أنه يُحفظُ أحياناً كثيرةً في ذاكرة الطِّفلِ ليبقى راسخاً في ذهنه مدى الحياة، فيسبِّبُ بذلك مشاكلَ عديدة تتعدَّى مرحلة الطفولة إلى مراحل متقدِّمة من العمر، ومن ذلك ما يعانيهِ الطفلُ المعنَّفُ من اكتئابٍ وأزماتٍ نفسيَّة.
تعريف العنف الأسري يُعرَفُ العنفُ الأُسريُّ بأنَّه النشاطات والأفعالُ المباشرة وغير المباشرة التي تستهدفُ أحد أفراد الأسرةِ، أو توجَّهُ نحوه بقصدِ الإيذاء الجسدي أو النَّفسي أو إيقاع الأذى اللفظي أو الجنسي، وغالباً ما تكونُ هذه النشاطاتُ أو الأفعالُ موجَّهةً نحو أحد القطبين الأضعفين داخل الأسرة:
المرأة والطفل. ويُعد استخدامُ القوَّة داخل الأسرةِ أحدَ أشكالِ العُنفِ، خاصَّةً عندما تُستخدم القوَّة من أحد أفراد الأسرة البالغين ضدَّ المرأة أو الطفل، كما يُعرف العنف الأسري بأنَّه إيقاعُ الإيذاء النَّفسي أو البدنيّ الذي يُرافقه ضررٌ مادي أو أثر معنويّ يُخالِف القانون ويَستوجب العقوبة.
تعريف العنف الأسري ضد الأطفال وأنواعه يُقصد بالعنف الأسري الموجَّه ضد الأطفال بأنَّه مُجملُ السلوكاتِ والنَّشاطاتِ المهدِّدة لأمن الطِّفل واستقراره النَّفسي والجسدي، أو استخدام القوة وإلحاق الأذى النفسي أو البدني فيه داخل الوسط الأسري من قِبل أبويه أو أحد القائمين على رعايته، ويشمل ذلك جميع أشكال الضَّربِ المُبرح، أو الضرب المقصودِ، أو العقاب الجسدي، أو استمرار السخرية والإهانة والاستهزاء بحقِّه، أو الإهمالِ والتَّقصير في رعايتِه وتوفيرِ مُستلزماتِه الصحية والنفسية والاجتماعية والجسميَّة، أو استغلالِه في أعمالٍ تفوق طاقته.
ويتضمَّن العنف الموجَّهِ نحو الأطفالِ أنواعاً عديدةً منها:
الإيذاء البدني: وهو أحد أشكال العنف الناتجة عن سلوك متعمَّدٍ يُمارسه أحد الأبوينِ داخل الأسرة أو كلاهما، أو أحد الأفراد المحيطين بالطفل داخل الوسط الأسري، وينتج عن هذا السلوك عادةً إلحاق الأذى الجسدي، أو الضرر البدني بالطفل بصورةٍ مباشرةٍ كالضرب، أو التسميم، أو الحرق، أو الربط، أو الحبس، أو التسبُّب بالألم، وقد يحدث الأذى البدني للطفل بصورة غير مباشرةٍ؛ كمنعِ العلاجِ عن الطفل، أو عدم تأمينه له، أو منع الطَّعام عنه، أو عدمِ إعطائه كفايته منه، أو التهاونِ في منعِ الأذى من الوصول إليه.
الإيذاء النفسي: ويتضمَّنُ الأذى النفسي الموجَّه نحو الطفلِ جميعَ أنماط السلوكاتِ المتعمَّدة التي يُمارسها الآباءُ أو أفرادُ الأسرةِ أو المحيطين فيها على الأطفال في الأسرة، أو أحدهم، فتُسبِب الألم النفسيَّ أو الضرر في صحة الطفل النفسيَّة، وتتعدَّدُ أنماط الأذى النفسي التي قد يواجهها الطفلُ داخل أسرته؛ كالتهديد، والتخويفِ، والتَّحقيرِ، والنَّبذِ، والإيذاءِ اللفظيّ، والسُّخرية، والإهمال، وتُمثِّل سلوكاتُ التمييز والتفرقة والتفضيل بين الأطفالِ داخل الأسرةِ إحدى صور الإيذاء النفسي، إضافةً إلى الحرمانِ من العطف، أو عدمِ إظهار المحبَّة والحنانِ، أو المُطالبةِ بِمهامٍ غير واقعيَّة، أو يصعبُ على الطفل القيام بها.
الإيذاء الجنسي: ويتمثَّل الإيذاء الجنسي للطفلِ في استغلالِه الجنسيِّ الفعلي أو المحتمل من قِبلِ أحد أفرادِ الأسرةِ بغرضِ تحقيقِ الإشباعِ الجنسيِّ من خلالِ الطِّفل، ويكونُ ذلك بالاتصالِ الجنسيِّ القسري أو من خلال التحايل عليه من قِبل أشخاصٍ يكبرونه سِنَّاً.
آثار العنف الأسري على الأطفال تَظهر الآثارُ النَّفسيَّةُ والبدنيَّة والاجتماعيَّة والانفعاليَّة بصورةٍ واضحةٍ في مستقبل الأطفال المعنَّفينَ، وبنسبٍ ودرجاتٍ متفاوتة تعتمد على المرحلة النمائيَّة التي تعرَّض الطفل للعنفِ خلالها، وعلى طبيعة العنفِ الذي واجههُ الطفل ونوعه، وقَد رَصد الباحثون صوراً آثاراً عديدةً ناتجةً عن العنفِ الذي يتعرَّض له الأطفال، منها
يُسبب العنف فقدان الثقة بالنفس لدى الطفل، وبالتالي يتكوّن لديه شعور بالخوف، والتردد في القيام بأي عمل. ينعكس العنف الذي يتعرض له الطفل داخل المنزل على سلوكياته وتصرّفاته خارج المنزل، وخصوصاً في المدرسة أو الشارع، ويقوم بتفريغ هذا العنف من خلال سلوكيّات سيّئة وطباعاتِ غير مرغوبة.
يؤدي العنف الذي يتعرَّض إليه الأطفالُ إلى تشبُّعهم فيه، وتداوله كأوَّل حل للمشكلاتِ التي تواجههم في حياتهم العمليَّة، كما يُعزِّزُ نوبات الغضب لديهم.
العنف الأسري أيضاً يؤدي إلى زيادة شعور الطفل بالإحباط، وضعف في شخصيته، وبالتالي يؤثر سلباً في إنجازاته وحياته المستقبلية وجميع مناحي الحياة. قد يسبب العنف في صناعة الشخصيَّة المتمرِّدةِ للطِّفل، التي تمثل رفضه غير المبرر لأي قرار أو رأيٍ دون إبداء الأسباب أو الحلول البديلة، وقد تنعكس هذه الشخصيَّةُ على واقعه الحياتي عند تقدُّمه في العمر.
طرق الحد من العنف الأسري ضد الأطفال يمكن التقليل من العنف الأسري ضد الأطفال من خلال:
نشر أضرار ومخاطر العنف الموجّه تجاه الأطفال وأشكاله وأنواعه، وتوعية الأسرة من خلال وسائل الإعلام والمؤسسات المجتمعيّة؛ كالمؤسسات التعليميّة، والمساجد، ودور الشباب. تشريع القوانين والأحكام الخاصّة بالأطفال المتعرّضين للعنف بأشكاله وضمان حقوقهم.
المتابعة المستمرة للأطفال الذين تعرضوا للعنف، وتقديم الدعم النفسي من خلال برامج الإرشاد النفسي في المؤسسات التعليميّة، وخلال جميع المراحل. تنظيم الجلسات التوعويّة، والدورات التأهيليّة للأسرة وأولياء الأمور؛ لشرح مخاطر ممارسة العنف تجاه الأطفال وأشكاله، بالإضافة إلى ذكر أهم طرق وأساليب التنشئة الأسريّة السليمة.
مجابهة ظاهرة العمل للأطفال دون سن العمل القانونيّ واستغلالهم من قبل جميع المؤسسات المجتمعيّة والأهالي وأصحاب العمل. تقديم الدعم والمساندة الاجتماعيّة بجميع أشكالها وبأقصى درجاتها تجاه الأطفال المتعرَّضين للاعتداء والعنف الجنسي، نظراً لشدة تأثير الأضرار التي تُصيب نفسية الطفل واتجاهاته ومستقبله.
أهميَّة حماية الطفل من العنف الأسري تُعرَّفُ الطفولةُ بأنَّها مرحلةٌ من مراحلِ الكائنِ البشريِّ تمتدُّ منذُ ولادتِه حتَّى بلوغِه سنَّ الرشد، وتتميَّزُ بخصائِصَ مهمَّة أبرزها ظهورِ شخصيَّته المستقلَّة وبنائه الفكري والسلوكي والنفسي
وتستلزمُ هذه المرحلة رعايةً خاصَّةً واهتماماً بليغاً من قِبَل الأسرةِ والبيئة الحاضنة للطفلِ، إذ هي مرحلةٌ حسَّاسةٌ تَتشكل فيها سُلوكات الطفل وانفعالاته لتكوِّنَ البناءَ القويم المتماسك لشخصيَّته، لينشأ بذلك إنساناً سويَّ البُنيةِ والتركيب الاجتماعيّ والنَّفسيّ.