مشروع قانون المالية لسنة 2024.. أرقام تحت مجهر الخبراء

سطرت حكومة عزيز أخنوش خلال مشروع قانون المالية لسنة 2024، العديد من الأهداف الرامية أساسا إلى تحقيق الرخاء الاقتصادي، ودعم القدرة الشرائية للمواطنين، رافعة بذلك سقف تطلعاتها، سواء فيما يتعلق بخفض نسب التضخم أو الرفع من نسبة نمو الناتج الداخلي الخام.

 

 

 

 

 

 

 

 

ووفقا لما جاء به قانون المالية للسنة المقبلة فمن المتوقع أن يحقق الموسم الفلاحي إنتاجا بقيمة 75 مليون قنطار، مع خفض نسبة التضخم إلى 2.5 بالمئة ورفع معدل نمو الناتج الداخلي الخام إلى 3.7 بالمئة.

مؤشرات طرحت تساؤلات حول مدى إمكانية تحقيق هذه الأرقام على أرض الواقع، في ظل سياق اقتصادي متقلب أبرز ما يميزه شح التساقطات المطرية.

 

موسم فلاحي جافي

تعليقا على هذا الموضوع، اعتبر المحلل الاقتصادي، نجيب أقصبي، أن قانون المالية يأتي بمجموعة من الفرضيات المتعلقة بالسنة الموالية، بهدف بناء هرم قانون التوازنات فيما يتعلق بالمداخيل والنفقات.

وأوضح المتحدث أن الاقتصاد المغربي يرتبط أساسا بالمنتوج الفلاحي، المرتكز على التساقطات المطرية، فالموسم الفلاحي الجيد من شأنه أن يدفع بعجلة الاقتصاد والعكس صحيح، خاصة وأن المحصول الزراعي يؤثر بطريقة مباشرة على نسبة النمو.

 

ولتعزيز فكرته قدم المحلل الاقتصادي، بعض الأمثل فيما يتعلق بالسنوات الماضية، قائلا: “خلال الموسم الفلاحي الماضي حقق المغرب 55 مليون قنطار من المحصول الزراعي، ما أدى إلى تحقيق 2,5 كنسبة نمو، فيما تم تحقيق 1.2 بالمئة سنة 2021 كنسبة نمو، بعد محصول زراعي ناهز 33 مليون قنطار، هذا عكس سنة 2020 حيث تم تحقيق 103 مليون قنطار ما أدى إلى ارتفاع نسبة النمو إلى 7 بالمئة”.

 

وطرح أقصبي إشكال التقلبات المناخية، والجفاف الذي أضحى يعاني منه المغرب، وكيف أثر على الموسم الفلاحي، مشيرا إلى أن ضعف التساقطات أدى إلى توقف الموسم الفلاحي، ما يجعل التنبؤ بموسم فلاحي جيد أمرا صعبا.

وشدد المتحدث على أن 75 مليون قنطار يظل مجرد رقم نظري، نظرا لعدم وجود أي دراسة تؤكد هذه الفرضية، ما يجعلها هشة إلى أقصى حد، خاصة وأن العوامل المناخية لا يمكن التحكم بها.

 

عوامل خارجية

وأضاف المتكلم أن “العديد من المؤشرات مرتبطة بالخارج، خاصة فيما يتعلق بأسعار المحروقات وسعر الدولار واليورو مع الدرهم، ما ينعكس على مستوى ميزان الأداءات وعلى رصيد العملة الصعبة ووقعه على صندوق المقاصة وعجز الميزانية”.

وتابع قائلا: “هذه المعطيات متعلقة بالخارج، واضطراب يقع على مستوى السوق الخارجي يؤثر على سعر النفط ما سيجعل من كل التوقعات غير سليمة”.

 

وفي حديثه عن نسب التضخم أشار المحلل الاقتصادي، إلى أنها ترتبط بالظرفية الداخلية والخارجية، مضيفا أن المغرب بلد مستورد ليس فقط للمحروقات بل لبعض المواد الغذائية أيضا، وبالتالي فأي ارتفاع على المستوى الخارجي ينعكس على المستوى الداخلي ويحرك عجلة التضخم.

الاحتكار وتعدد الوسطاء

وأقر أقصبي بوجود جوانب بنيوية داخلية تتجلى أساسا في اقتصاد الريع، وإذا تم الأخذ بعين الاعتبار أرقام المندوبية السامية للتخطيط، فإن الأسباب وراء ارتفاع الأسعار يعود لقطاعي النفط والمواد الغذائية.

 

“وما يميز هذين القطاعين هو الاحتكار والفوضى، فانخفاض أسعار البترول على المستوى الدولي لا يؤثر على سعره على المستوى الوطني، وبالتالي فالتضخم مرتبط جليا بواقع الاحتكار في السوق المغربي”، يوضح المحلل لـ “العمق”.

وبخصوص المواد الغذائية، أكد نجيب أقصبي، في معرض تصريحه، أن القطاع يهيمن عليه تعدد الوسطاء، حيث نجد أن ثمن الطماطم مثلا يصل إلى درهمين من المصدر لكن يشتريها المواطن بـ عشرة دراهم ما يعني أن التضخم مرتبط أساسا بعوامل داخلية يتحكم فيها الريع والفساد.

وفي ختام حديثه شدد الخبير الاقتصادي، على أن العواملة المسببة والمحركة للتضخم هي عوامل بنيوية بالأساس، كما أن التماطل عن القيام بإجراءات، لمحاربة الاحتكار والريع من شأنه يؤدي إلى نفس النتائج.

 

أسس علمية مفقودة

نفس النهج سلكه المحلل الاقتصادي رشيد ساري، الذي اعتبر أن توقع إنتاج الحبوب سيصل إلى 75 مليون قنطار معطى ليست له أي أساس علمي، خاصة وأن نفس الرقم تم تقديمه السنة الفارطة ولم يتحقق، مضيفا أن القطاع الفلاحي يعاني في الفترة الراهنة من تقلبات مناخية وتوالي مواسم الجفاف.

وأوضح المتحدث لـ “العمق” أن المغرب لم يصل إلى الرقم المتوقع، خلال السنوات الماضية، فإنتاج الحبوب لم يتجاوز 55 مليون قنطار السنة الفارطة، لكن ما يطرح التساؤل حسب المصدر ذاته، هي الأسس والمعايير العلمية والتقنية في المجالين الفلاحي والمناخي، ويتم الاعتماد عليها من أجل طرح مثل هذه التوقعات من قبل الحكومة، خاصة مع ضعف التساقطات.

 

وفيما يخص انخفاض مستوى التضخم إلى 2.5 بالمئة أكد رشيد ساري، أن الحكومة توقعت خلال سنة 2023 انخفاضه إلى نسبة 2 بالمئة، وفي المقابل وصل إلى أعلى مستوياته وتجاوز 10 بالمئة.

وتعليقا على بعض المعطيات التي تفيد ارتفاع نسبة التضخم خلال السنة المقبلة إلى حدود 7 بالمائة، قال المتحدث، إن “هذه النسبة تبقى مرتفعة ولا يمكن الوصول إليها إلا في حالة ارتفاع ثمن المحروقات، ما سيؤدي إلى وجود تضخم مستورد، كما أن استمرار فترات الجفاف سيؤدي إلى تضخم فلاحي، لكن وصول نسب التضخم لهذه المستويات يظل أمرا صعبا”.

انخفاض العائدات

وأوضح ساري، أن تحقيق معدل نمو يصل إلى 3.7 بالمئة، يستوجب توفر مجموعة من العوامل، وأولها تحقيق موسم فلاحي جيد، بالإضافة إلى تحقيق مردودية جيدة فيما يتعلق بالمجال الصناعي، مع تحقيق عائدات كبيرة فيما يتعلق بتصدير بالسيارات.

واستدرك المتحدث قوله بأن الدول الأوروبية التي يعتمد عليها المغرب في مجال التصدير تعيش العديد من المشاكل الاقتصادية، علاوة على انخفاض عائدات الفوسفاط بشكل كبير، وبالتالي الوصول إلى معدل النمو المسطر من قبل الحكومة أمر غير محسوم، لكن على العموم دائما ما يتأرجح بين 3 و3.5 بالمئة، هذا عكس عجز الميزانية الذي تم تحديده حدود 4,5 هو رقم يمكن التحكم فيه والوصول إليه.

 

وأشار المتحدث إلى وجوب ترشيد النفقات، والرفع من التمويلات المبتكرة، مع الاعتماد على موارد أخرى لتطوير الاقتصاد الوطني غير العائدات الضريبية.

وفي ختام حديثه شدد المحلل الاقتصادي، على وجوب الاستثمار في مجال تحلية مياه البحر لمواجهة ما نعيشه من تقلبات مناخية، أدت إلى إعلان العديد من الضيعات الفلاحية عن إفلاسها، كما أن هذه الخطوة ستساهم في ضمان حاجيات الساكنة من المياه مع ضمان استمرار عملية السقي بتكلفة أقل.

 

وتوقع البنك الدولي، في أحدث تقرير له عن الاقتصاد المغربي، تحت عنوان “من القدرة على الصمود إلى الرخاء المشترك” أن يرتفع النمو الاقتصادي إلى 2.8% في عام 2023، مدفوعًا بالتعافي الجزئي للإنتاج الفلاحي والخدمات وصافي الصادرات، وذلك بعد التباطؤ الحاد الذي شهده عام 2022، والذي نجم عن مختلف الصدمات السلعية والمناخية المتداخلة.

 

كما توقع أن يتعزز هذا التعافي في المدى المتوسط، وأن يصل نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي إلى 3.1% في 2024، و3.3% في 2025، و3.5% في 2026، مع تعافي الطلب المحلي تدريجيًا وانخفاض التضخم بمقدار النصف بين فبراير وأغسطس 2023، رغم أن تضخم أسعار الغذاء لا يزال مرتفعًا، ويؤثر بشكل غير متناسب على الأسر الفقيرة.

 

جدير بالذكر أن معدل التضخم وصل متم شهر أكتوبر إلى 4.3 بالمئة، وفقاً لأرقام المندوبية السامية للتخطيط. هذا وقد وصل معدل التضخم شهر فبراير الماضي إلى 10.1%، لينخفض بعد ذلك إلى 4.9% شهر سبتمبر المنصرم. 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.