مذبحة بور سعيد.. الكل نسوها وأبو تريكة أحياها

يعد الأول من فبراير/شباط 2012 أسوأ يوم في تاريخ الرياضة المصرية بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص، حيث شهدت ليلة ذلك اليوم مجزرة بورسعيد التي راح ضحيتها 74 مشجعا من جمهور النادي الأهلي، الذين ذهبوا راجلين لمؤازرته في مباراته أمام “المصري” على ملعب بور سعيد بالدوري المصري لكرة القدم فعادوا جثثا هامدة في صناديق خشبية.

وبعد مرور سبع سنوات على المجزرة، انشغل جمهور النادي الأهلي بالفوز على دجلة في الدوري المصري 2-1، وعلى سيمبا التنزاني في دوري أبطال أفريقيا بخماسية نظيفة، بعد أن تم حل رابطة ألتراس أهلاوي ومطاردتها من قبل النظام بسبب خروجها عليه وتحديها له وللشرطة المصرية في مواقف عديدة، ومشاركتها في ثورة 25 يناير.

ولم يتذكر المجزرة البشعة سوى نجم الأهلي والمنتخب المصري السابق محمد أبو تريكة، الذي غرد تغريدة حزينة نعى فيها شهداء النادي طالبا لهم الغفران ولذويهم الصبر والسلوان.

وأكثر من تقتلهم ذكرى المجزرة الحزينة هم أولياء الدم الذين ذهبت قضيتهم طي النسيان، بل أصبح الالتحاق برابطة ألتراس أهلاوي جريمة بعد أن حلها النظام وطارد أعضاءها في كل مكان وغيب بعضهم خلف القضبان.

ومعظم ضحايا المجزرة كانوا شبابا في مقتبل العمر، وأصغرهم الطفل أنس محي الدين الذي لم يتجاوز عمره آنذاك 15 عاما، وقد جذبه حب الأهلي للزحف وراءه إلى بور سعيد، وكان وجهه الضاحك يُبكي كل من يرى صورته بين الضحايا، ولم ترحم الأيادي الغادرة طفولته وبراءته فقتلته وتركته يلفظ أنفاسه الأخيرة مضرجا بدمائه وهو يهتف نشيد ألتراس الأهلي “حرية حرية حرية”.

وذكرت تقارير صحفية مصرية بعد المجزرة أن ملعب بور سعيد كان مكدسا بالأسلحة البيضاء، وأن الأمن تساهل مع جماهير المصري المدفوعة إعلاميا نحو الانتقام من الجماهير الأهلاوية بعد تصعيد ومشادات إعلامية امتدت لشبكات التواصل الاجتماعي على مدار أسابيع قبل المباراة، التي أصر اتحاد الكرة على إقامتها رغم الأجواء المشحونة.

والمثير للريبة أن مدير أمن بورسعيد تم تغييره قبل المجزرة بأيام قليلة، وأن الأمن في هذا اليوم -وعلى غير العادة- لم يشدد الإجراءات الأمنية في دخول الملعب، ولم يغلق الشوارع المحيطة به كما كان يحدث دائما.

بل ترك الأمن جماهير الأهلي تعلق في بداية المباراة لافتة كبيرة فوق مدرجاتها مكتوب عليها “بلد البالة ما جبتش رجالة” (بلد الملابس المستعملة لم تلد رجالا)، وهي لغة مصرية دارجة تسيء أشد الإساءة لجماهير بور سعيد على ملعبهم، مما أثار حفيظتهم المثارة أصلا وقفزوا من على أسوار المدرجات واخترقوا الأمن بسهولة بالغة قبل المباراة وبين الشوطين، فضلا عن تبادل التقاذف بالألعاب النارية والهتافات العدائية.

وسبب جمهور المصري الرعب للجميع، حيث بدأ إلقاء “الشماريخ” (الألعاب النارية) على فريق الأهلي والحكام أثناء الإحماء، وكل ذلك مهد لاقتحام مئات من جماهير بورسعيد الملعب بعد انتهاء المباراة مباشرة، وسط تراخ شرطي سمح لهم بالتوجه إلى مدرجات جماهير الأهلي وذبح بعضهم ذبحا، وإلقاء البعض الآخر من فوق المدرجات، فيما مات منهم نسبة ليست قليلة نتيجة التدافع للهروب من الأبواب التي أوصدها الأمن قبل المباراة بـ”اللحام الكهربائي” والأقفال المحكمة حتى لا تفتح أبدا!

والأكثر إثارة للريبة أن الأمن لم يتدخل بجدية لإيقاف آلة القتل الدائرة، بل أطفأت إدارة الملعب الأنوار مما ساعد المجرمين على إتمام جريمتهم في جنح الظلام الدامس.

ورغم تشكيل لجنة لتقصي الحقائق من قبل برلمان “الثورة”، فإن الحقائق طمرت ولم تعلن النتائج بشفافية، مما أثار جماهير الألتراس التي اعترضت دون جدوى.

واعتمد النظام الحالي والسابق على سياسة التسويف لإضاعة القضية حتى تنسى تماما، حتى أن الحكم النهائي فيها اتخذ بعد أكثر من خمس سنوات، وتحديدا في نهاية فبراير/شباط 2017، بتأييد حكم الإعدام شنقا في 11 متهما بارتكاب المجزرة، وهو ما هلل له أولياء الدم واحتفلوا بسببه على أبواب محكمة النقض في القاهرة.

ومن المؤكد أن تقصي حقائق هذه الجريمة الشنيعة وإعلان النتيجة بشفافية سيؤدي إلى تورط بعض الرؤوس الكبيرة فيها، وهو ما يحتاج إلى نظام غير النظام الذي لن يدين نفسه أبدا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.