رقائق رمضان (4).. هكذا تشبث “التدين المغربي” بعمل أهل المدينة

عُرف المغاربة بحبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واقتفاء أثره، عقيدة وفقها وسلوكا، فما كان لحبهم هذا للجناب النبوي إلا أن أخذوا مذهب الإمام مالك، جزاه الله عن المسلمين خير الجزاء، والذي يعمل عمل أهل مدينة رسول الله، واقتفى أثر المصطفى صلى الله عليه وسلم.

 

 

 

 

وُلد الإمام مالك بالمدينة المنورة سنة 93هـ، ونشأ في بيت كان مشتغلاً بعلم الحديث واستطلاع الآثار وأخبار الصحابة وفتاويهم، فلازم فقيه المدينة المنورة ابن هرمز سبع سنين، كما أخذ عن كثير من غيره من العلماء كنافع مولى ابن عمر وابن شهاب الزهري، وبعد أن شهد له سبعون شيخا من أهل العلم أنه موضع لذلك، اتخذ له مجلسا في المسجد النبوي للدرس والإفتاء، وقد عُرف درسُه بالسكينة والوقار واحترام الأحاديث النبوية وإجلالها، وكان يتحرزُ من أن يُخطئ في إفتائه، فيكثرُ من قول «لا أدري»(ومن قال لا أدري فقد أفتى)، وكان يقول: «إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به، وما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه».

 

وفي سنة 179هـ مرض الإمام مالك اثنين وعشرين يوماً ثم مات، ودُفن بالبقيع. وقيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم، فلا يجدون أحداً أعلم من عالم المدينة”، وقال إسحاق بن موسى: فبلغني عن ابن جريج أنه كان يقول: نرى أنه مالك بن أنس.

 

نجح النموذج الإسلامي المغربي، بتسلحه بمذهب أهل المدينة، في التصدي للفكر الظلامي الدخيل، الذي أساء فهم الدين واختزله في مظاهر وصور خارجية (مع الاعتقاد المطلق بأن الله لم يهد سواهم، وتكفير كل من اختلف أو ناقش أو نصح، وقد ظهرت في سياق سياسي عالمي، ومولت لاستهداف الإسلام والمسلمين)، فاستند المغرب على قيم التسامح والمحبة والدعوة إلى الله بالسلوك وبالتي هي أحسن، تحت إشراف إمارة المؤمنين لما تستمده من شرعية دينية، تحفظ السيادة المذهبية والعقدية والسلوكية.

 

فبالإضافة إلى التصدي الأمني لمجموعة من الظواهر الدخيلة على المجتمع المغربي و على الإسلام، والتي توقد نار الفتن، وتشجع على الأعمال التخريبية وقتل الأبرياء ممن يشهدوا لله بالوحدانية ولرسوله بالرسالة، نجح المغرب في إبراز نموذجه الديني للعالم، مما دفع عددا من دول الجوار إلى التأسي به، وجعل الأمن الروحي مدخلا أساسيا للرقي التنموي والتوازن الاجتماعي، والذي مكن المملكة المغربية من تدبير الفترات العصيبة التي مرت بها دول المنطقة.

 

يرتكز الأمن الروحي للمغاربة على مجموعة من العناصر الحسية والمعنوية، بهدف التصدي للانحرافات الضالة، والمعتقدات الفاسدة، والتأويلات الخاطئة التي تدعو إلى العنف والقتل وإراقة دماء المسلمين بغير الحق، الناتجة عن التطرف و الغلو والتشدد، بغرض الاتجار بالدين واستغلاله لتحقيق نزوات شيطانية غريزية، تهدف إلى تخريب المجتمع، وما أفرزته من نظرة جديدة للدين من قبيل “الإسلاموفوبيا”، الداعي إلى التحامل والكراهية والخوف من الإسلام والمسلمين.

 

تسلح المغرب بمذهب فقهي يعمل عمل أهل مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطرق صوفية للتربية السلوكية وتزكية النفوس والاجتماع على الله، ترسيخا لقيم المحبة والتسامح وحسن الخلق الذي بعث لأجله نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، فحرص على ذلك أحفاده الذين تعاقبوا على حكم المملكة المغربية، ليتشبث المغاربة بإمارة المؤمنين، الضامنة لوحدتهم الدينية، والساهرة على أمنهم الروحي من كل خطر يهدده، وكلهم من رسول الله ملتمس.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.