حكايات وطقوس موروثة لأجيال.. تجمع نساء المغرب ببيوتهن استعدادا لرمضان

طاولة الإفطار

يتفنن المغاربة في الاستعداد لرمضان بتحضير الحلويات والمأكولات وتنظيف بيوتهم وشراء الملابس التقليدية أو خياطتها لدى خياط محترف وفاء للقيم المتجذرة في تراثهم للشهر الفضيل

 

 

 

 

 

ترتبط الطقوس والعادات التي يحيها المغاربة استعدادا لرمضان أياماً قبل قدومه، بموروث الملبس والمأكل، وبحضارة الملوك وثقافة الرغد في العيش.

وجدد سكان المغرب الوصال، مع “سيدي رمضان”، عبر أزمنة وحضارات مختلفة، وصنعوا حكايات وطقوسا من جيل لآخر، ظلت موشومة في الذاكرة الشعبية في تاريخ المغرب.

ويتفنن سكان المغرب في الاستعداد لرمضان بحفاوة تحضير الحلويات والمأكولات ك” أسلو” و”الشباكية”، و’المخرقة”، وتنظيف بيوتهم، وشراء الملابس التقليدية كـ “القفطان والجلابية” أو خياطاتها لدى خياط محترف، وفاء للقيم المتجذرة في تراثهم للشهر الفضيل.

إحياء طقوس أمانة والدتي

 

وتروي الشيف فوزية جباري، أشهر طباخة في لندن “للعربية.نت”، عن طفولتها وسر شغفها بالطقوس والعادات في رمضان، قائلة إن “الاستعداد لـسيدي رمضان والاحتفال به، في أجواء من المرح والفرحة رفقة الأحباب والجيران، يذكرني بزمان جميل لم تمحوه ذاكرتي، فكلما تذكرته، تذكرت أنا نجحي وتألقي في بلاد المهجر مرتبط بانتمائي وما تعلمته على يد والدتي في عالم الطبخ المغربي”.

وتحكي فوزية جباري بابتسامة، أن الأيام الأخيرة من شعبان، دائما ما تعيدها إلى أجواء موشومة في ذاكرتها، حيث كانت تترقب فيها خطوات والدتها، حاملة كرسيا خشبيا صغيرا لتجالسها حيث يتجمع نساء الحي والجيران على الموائد.

وتضيف فوزية: “أنا أيضا كنت شاهدة على زيجات لبنات الجيران تمت خطبتهن على تلك الموائد، ونحن أطفالا وشابات كن نساعد في تدليك العجين وتشبيك الحلويات وقليها ووضعها في العسل، وتنظيف البيوت وترتيب الأثاث، في جو مليء بالفرح وزغاريد النساء والصلاة على النبي في دروب وأحياء الرباط”.

أناقة ورقي

وفي سياق آخر، صرح المعلم عبد الله، أحد أشهر الخياطين، بالمدينة القديمة، أن اللباس التقليدي بما فيه الجلباب والقفطان، لا يزال حاضرا في جميع المناسبات الدينية عند أهل المغرب، كجزء من “تمغربيت” التي لا يمكن الاستغناء عنها.

وقال المعلم عبد الله، الذي يزاول حرفة الخياطة التقليدية من 50 سنة، وعايش أجيال وفئات مجتمعية متعددة، للعربية.نت، “إنه يمكن أن تناقش المغربي في أي شيء إلا أن تناقشه في أجواء رمضان وأجواء الأعياد عن اللباس التقليدي، حيث يزداد الإقبال على الجلباب والقفطان أكثر في رمضان، لأنه من قمة الرقي والأناقة عند سكان المغرب لاستقبال الضيوف على موائد الإفطار وذهاب للمسجد بزي التقليدي”.

ويحكي المعلم، “على أن هناك من اعتاد على تغيير ملبسهم الرسمي بملبسهم التقليدي في رمضان، كما أن هناك عائلات ما زالت ترتدي القفطان والجلباب بشكل يومي داخل بيوتها.”

سيدي رمضان

ويرى الباحث في التاريخ والحضارة المغربية، هشام الأحرش، أن انتقال العادات والطقوس من جيل لآخر، مرتبط دائما بالحضارة وثقافة الرغد في العيش، وحياة ملوك عبروا الزمان والمكان، ولذلك فالكثير من الشعوب ذات الحضارة هي شعوب دائما تكون منفتحة على الآخر وتعمل على تجديد وسائل عيشها عبر التاريخ.

وفي حديثه للعربية.نت، أكد الحرش، على أن رمضان في المغرب غير رمضان في باقي البلدان الأخرى، خاصة أن رمضان مقدس عندهم، ويقولون “سيدنا رمضان”، وهو الأمر الذي يجعل رمزية الاحتفال دائما حاضر فيه كل سنة.

وأضاف الخبير في الطبخ واللباس المغربي، على أن سكان المغرب من بين الشعوب القليلة التي لها علاقة باللباس والأكل في رمضان، والذي يعتبر جزءا من الهوية و”تمغربيت” الأصيلة الحاضرة في المناسبات الدينية خاصة.

رمضان سفر إلى الله

وأشار هشام الأحرش، إلى أن تفاعل الكبير مع هذا الموروث في رمضان وإعادة توظيفه في المناسبات الدينية هو رمز للاحتفاء بالقيم التاريخية والإنسانية المتجذرة في نفوسهم وحياتهم.

ويعتبر الباحث، أن إعداد حلويات رمضان في المغرب كـ ” أسلو”، و” الشباكية” و “المخرقة”، لها رمزيات وأساليب عدة في العيش، منها ما هو مرتبط بالاستعداد الروحاني لرمضان، أي بمثابة زاد المسافر إلى الله، حتى لا ينشغلون عن العبادة والتعبد، ومنها ما هو مرتبط بخبرة أهل المغرب في تخزين الطعام الذي يدوم لمدة طويلة، خاصة في وقت كانت فيها وسائل العيش بسيطة.

وأكد الأحرش على أن ” أسلو”، موجود قبل الإسلام، وهو طعام أهل الصحراء القابل للتخزين، أما الحلويات الأخرى كـ “الشباكية”، و”المخرقة”، فتجدها من الحلويات التي يتم إعدادها خارج وداخل البيوت والتي تكون قابلة للتخزين والتي تعبر نوع من الاحتفال بسيدي رمضان.

ويربط الباحث علاقة سكان المغرب باللباس في رمضان، بما هو ديني، لأن المسجد عندهم يعتبر فضاء عاما، وفي كل حي يجد مسجدا، كما أن صلاة التراويح والاعتكاف ودروس الحسنية، هي رمز لتأنق والاحتفاء بالقادم، الذي يكون حاضرا عندهم بشكل جيد خارج وداخل البيوت في المناسبات الدينية.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.