المواطن بين الحق في المعلومة وحماية الحياة الخاصة

أضحت المعلومة اليوم، في سياق المشهد المعقد والمترابط للقرن الحادي والعشرين، أكثر من أي وقت مضى مصدرا ثمينا، فهي تشكل أداة فعالة لتعزيز الشفافية والديمقراطية، من خلال الحق في الولوج إلى المعلومة، وفي الآن ذاته حقلا يعج بالتحديات المرتبطة، على الخصوص، بحماية الحياة الخاصة وأمن الوطن.

وفي واقع الأمر، لا يعد الحق في الوصول إلى المعلومة مجرد إجراء إداري بسيط، بل يمثل آلية تفتح باب المسؤولية الحكومية في ضمان هذا الحق، ومكافحة الفساد، والمشاركة المواطنة في الحياة العامة، واتخاذ قرارات صائبة.

ويتعلق الأمر بحق أساسي من أجل الاشتغال الديمقراطي للمجتمعات، والذي ينهض بالتنمية، ويحسن الأداء الاقتصادي، ويجعل من السلطات العمومية مسؤولة عن أعمالها وتدبيرها للمال العام. كما يكتسي الحق في الوصول إلى المعلومة أهمية قصوى لتقوية المشاركة المواطنة لتحسين جودة الخدمات العمومية.

واعترافا بأهمية هذا الحق، تم الإعلان، في شهر أكتوبر من سنة 2019، خلال الدورة الـ74 للجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم 28 شتنبر من كل سنة يوما عالميا لتعميم الحصول على المعلومات على مستوى الأمم المتحدة. وسيتم هذه السنة تسليط الضوء، بشكل خاص، على أهمية الفضاء الإلكتروني للولوج إلى المعلومة.

الولوج إلى المعلومة في عصر الرقمنة

أدت الرقمنة إلى إحداث ثورة في مجال الولوج إلى المعلومة، حيث أضحى الفضاء الإلكتروني يضطلع بدور محوري. فقد أحدثت شبكة الأنترنت تحولات في تبادلاتنا، وفي قدرتنا في الحصول على المعلومة ومشاركتها، وهو ما مهد الطريق لعهد جديد في الولوج الشامل إلى المعلومة. ورغم أن شبكة الأنترنت توفر فرصا هائلة، إلا أنها لا تخلو من أوجه قصور وتحديات تستحق تفكيرا عميقا.

ولا يمكن لأي أحد إنكار أن الأنترنت أدت إلى إحداث تحولات عميقة، بإزالة الحواجز الجغرافية والزمنية، حيث مكنت من ولوج عالمي لثروة من المعلومات. فمن المكتبات الافتراضية إلى الدروس المجانية عبر الأنترنت، ساهمت هذه الأخيرة في دمقرطة الوصول إلى المعلومة، فاسحة المجال لأي كان، وفي كافة أرجاء العالم، للتعلم والتثقيف والاطلاع على المعلومة.

وأحدثت المنصات المتواجدة على الأنترنت فضاء يمكن الأفراد من تقاسم وجهات نظرهم، ومناقشة قضايا عالمية، والانخراط في نقاشات متحضرة. وفتحت المدونات والشبكات الاجتماعية ومنتديات المناقشة آفاقا جديدة للتعبير عن الذات والحوار بين الثقافات.

كما مكن الوصول إلى المعلومة، بشكل فوري، المواطنين من الاطلاع بشكل أفضل على الأحداث الراهنة، حيث تشكل وسائل الإعلام الإلكترونية والمدونات الصوتية “البودكاست” وتدفق المستجدات مصدرا قارا للأخبار.

مناطق ظل ما تزال قائمة

وفور فتح متصفح الأنترنت أو تطبيقاتنا الإلكترونية، يتدفق كم هائل من المعلومات يتم بثها بوتيرة مذهلة. ويمكن أن تتحول هذه الوفرة إلى سيل من المعلومات المضللة، حيث إن الأخبار الزائفة ونظريات المؤامرة وحملات التضليل، تنتشر كالنار في الهشيم، مما يؤدي إلى تغليط الناس وتشويه الواقع.

ورغم أن الحق في الولوج إلى المعلومة عنصر أساسي من أجل الديمقراطية، إلا أنه ما يزال يواجه تحديات كبيرة، حيث تمثل حماية الحياة الخاصة والمعطيات الحساسة إحدى العقبات الأساسية في هذا المجال.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.