“إمرؤ القيس ” …هل فعلا أمل ولم يتحقق له ؟

نذكر” أن امرؤ القيس” على أنه واحد من أهم شعراء” العصر الجاهلي”، لكن قد لا يعرف كثيرون منا أنه كذلك “ذو القروح”، الذي مات بعد أن تقرّح جسده بسبب ارتداء حلة مسمومة أهداها له “ملك الروم”، وأنه أيضاً “الملك الضليل” الذي خذلته قبائل” العرب” بعد أن طلب ملك الحيرة رأسه، وأنه الشريد الذي دفن في “أنقرة” التركية بعيداً جداً عن أرض أجداده.

فإذا كنت تظن أنك تعرف “امرؤ لقيس” حق المعرفة، قد تغير رأيك بعد قراءة هذا التقرير:

لا نعلم تحديداً متى ولد “امرؤ القيس”، لكن ميلاده كان في أوائل القرن السادس الميلادي، وهو من قبيلة يمنية تدعى “كندة”، وقد احتلت قبيلته مكانة عظيمة في “نجد”، وكانت مقسمة إلى عدة قبائل” واقعة” تحت حكم والده وأعمامه.

فبينما “حكم والده” حُجر “بن الحارث الكندي”، بني أسد وبني غطفان، حكم أعمامه الثلاثة كلاً من بني بكر وقيس وتغلب وسعد، وكان والده وأعمامه في النهاية يدينون بالولاء والطاعة لملوك حمير اليمنيين.

وربما يجهل كثيرون أن “امرؤ القيس” ما هو إلا واحد من الألقاب التي حملها ذلك الشاعر الكندي، فـ”القيس” هو واحد من أصنام الجاهلية التي كان العرب يعبدونها وينسبون أنفسهم إليها.

أما اسمه الحقيقي فهو” جندح بن حُجر بن الحارث الكندي”، وإلى جانب “امرؤ القيس” حمل ألقاباً عديدة كان أبرزها: “الملك الضليل” و”ذو القروح”.

وجمعت” قواسم مشتركة كبيرة “بين امرؤ القيس والزير سالم أبو ليلى المهلهل، فقد تشارك الرجلان في حب النساء .

ولم تأت هذه القواسم المشتركة عبثاً، فقد جمعت القرابة وصلة الدم بين الرجلين، فوالدة “امرؤ القيس” هي “فاطمة بنت ربيعة”، أخت كليب والمهلهل التغلبيين.

وقد تلقن” امرؤ القيس” الشعر منذ نعومة أظفاره على يد خاله المهلهل، ولولاه ربما ما كان ليصبح واحداً من أهم شعراء العصر الجاهلي على الإطلاق.

كونه” ابن ملك” من علية القوم، نشأ امرؤ القيس مترفاً مرفهاً، وبحكم العلاقة القوية التي جمعته بخاله “الزير” فقد كان يقضي معظم أوقاته في اللهو والشرب ونظم الشعر الماجن، فقد سلك في الشعر مسلكاً خالف فيه تقاليد بيئته، واتخد لنفسه سيرة لاهية لا تليق بـ”ابن ملك”.

في مجالات النساء كان يعتبر شغوفا وساردا للمؤلفات الغرامية التي تتحدث عن الحب .

وبالرغم, من أن والده هدده مرات عدة ونهاه عن حياة اللهو التي كان يعيشها، فإن” امرؤ القيس “لم يكف أبداً عن نظم الشعر الماجن، ومغازلة “النساء وشرب الخمر “ومصادقة الصعاليك من العرب.

بالرغم من تعدد كتاباته ومؤلفاته الغرامية كان عاشقا للفن ,الذي يتحدث عن تعلقه بالنساء , فإن حبه الحقيقي كان لابنة عمه فاطمة، وهي التي قال فيها معلقته الشهيرة التي تبدأ بـ:

قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَمَنزِلِ ** بِسِقطِ اللِّوى بَينَ الدَّخولِ فَحَومَلِ

ويكمل:

أفاطمُ مهلاً بعض هذا التدلل   ** وإن كنتِ قد أزمعتِ صرمي فأجملي

وإن تك قد ساءتك مني خليقةٌ  ** فسلي ثيابي من ثيابك تنسل

أغرّكِ مني أن حبك قاتلي  ** وأنك مهما تأمري القلب يفعل

وأنك قسمت الفؤاد فنصفه  ** قتيلٌ ونصفٌ بالحديد مكبل

وما ذرفت عيناك إلا لتضربي ** بسهميك في أعشار قلب مقتل

وبالرغم من حبه الشديد لفاطمة فإنه لم يستطع سبيلاً إلى وصلها، ربما بسبب شهرته باللهو والمجون بين العرب.

تقول بعض” الروايات”أن “الملك الكندي”، والد “امرؤ القيس” قد ضاق ذرعاً به وبنمط الحياة  التي يعيشها، ولما سمع غزله في واحدة من أبناء عمومته الغاضبة ودعا غلاماً له اسمه ربيعة، وأمره أن يذهب ويبحث عن “امرؤ القيس “ويقتله ويفقأ عينيه ويأتي بهما إلى القصر.

فانطلق” ربيعة “باحثاً عن” امرؤ القيس”، فلما وجده لم يتمكن من قتله وأشفق عليه، فذبح جؤذراً (ولد البقرة الوحشية) وفقأ عينيه ثم ذهب بهما إلى الملك.

ولما شاهد” الملك العينين “المفقوءتين ندم ندماً شديداً، وتمنى لو أنه لم يأمر بقتل ابنه، فاعترف ربيعة أنه لم يقتله، فعفا عنه” الملك”، وأرسل في طلب ابنه الذي وعده بالامتناع عن الغزل الجريء.

لكنه ما لبث أن أنشد بعد ذلك قصيدته الشهيرة التي يتغزل فيها بـ”سلمى” ويقول في مطلعها:

أَلا عِم صَباحاً أَيُّها الطَّلَلُ البالي  ** وَهَل يَعِمن مَن كانَ في العُصُرِ الخالي

فبلغ ذلك أباه فطرده من القبيلة.

لكن يشك الكثير من المؤرخين برواية “فقء العينين”، ويعتبرونها رواية منحولة، حالها كحال الرواية التي تقول أن “امرؤ القيس” قد تغزل ببعض نساء أبيه غزلاً يتميز بالفحش، ما دفع أباه إلى طرده، وذلك وفقاً لما ورد في كتاب “العصر الجاهلي ” للدكتور شوقي ضيف.

لكن مع ذلك، يُجمع الكثيرون أن الملك غضب من ولده امرؤ القيس بسبب أشعاره ونمط حياته الماجنة، وطرده إلى موطن أعمامه في حضرموت، آملاً أن ينصلح حاله، لكن ذلك لم يغير من أمره شيئاً، فقد بقي لاهثاً وراء حياة التسكع واللهو والصيد وغزو القبائل الصغيرة لسلب متاعها.

بقي” امرؤ القيس” على حاله، ولم يتغير حتى ثار بنو أسد على والده وقتلوه.

ويروي بعض المؤرخين أن” الملك “قد أمر وزيره بأن يطوف على أولاده بعد موته، وأن يوصي بالخلافة لذلك الذي لا يبكي عند سماع خبر الوفاة، وفعلاً طاف “الوزير” على جميع أولاد حجر بن الحارث، ولم يكن أحدهم رابط الجأش سوى” امرؤ القيس”, الذي كان جالساً يشرب الخمر، ولما سمع النبأ قال:

“رحم الله أبي، ضيعني صغيراً، وحملني دمه كبيراً. لا صحو اليوم ولا سُكْرَ غداً، اليوم خمر وغداً أمر”.

ثم شرب سبعاً ولما صحا حلف ألا يدهن بطيب ولا يشرب الخمر ولا يقرب النساء حتى يدرك ثأر أبيه على عادة العرب.

بدأ “امرؤ القيس” بجمع حلفائه وأنصاره من بني بكر وتغلب لمهاجمة “بني أسد”، الذين فاوضوه وعرضوا عليه أن يقتص من مئة منهم أو يقبل فدية عوضاً عن دم والده، أو يمهلهم على الأقل قبل خوض الحرب، إلا أنه أبى وبدأ بملاحقتهم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.