أنا لست كاتبا أنا لست شاعرا أنا لست موهوبا أنا فقط غريب.

موهبة الاسبوع شاب من نواحي مدينة دمنات اسمه محمد نايت علي . يحل ضيفا عليكم متتبعي مجلة اصوات الغد. و  تجدر الاشارة ان هذه الاستضافة جاءت تحت رؤى المجلة و ايمانا منها بالكفاءات الشابة المغربية .

قراءة ممتعة :

أنا لست كاتبا أنا لست شاعرا أنا لست موهوبا أنا فقط غريب.

..يا صديقي لم أستطع أن أنام تلك الليلة و أنا أمشط الذاكرة باحثا داخلها عن النور الذي لم و لن يشرق من نافذة الصباح في اليوم الموالي. كذب الأمل بشأن الحقيقة و ترك الضفاف خالية, و لم يحذر المسافرين أن عاصفة هوجاء سوف تلقي بهم داخل عواصف أخرى. كذب الأمل حين لبس ثوب التقية و زينة الحكماء و تمختر في مشيته و هو يتحدث عن النجاة و الفلاح.

يا صديقي كنت أعاتب نفسي دوما لما لم أصلح المركب في الوقت المحدد, و أقطع تلك المسافات الطويلة. لما كنت عاجزا عن الحركة و الكلام و كأن الموت يحيط بي من كل مكان, لما كنت خجولا من الحديث عن العاطفة وسط العاصفة, كأن السحاب يفرد جناحه لينتشلني, لكني عجزت عن التحليق معه, كنت أخشى السقوط السريع نحو الهاوية, غير مدرك أن الهاوية هي موطئ قدمي الآن, و هي محل سكناي. يا صديقي كنت خجولا من النظر للسحب مرة أخرى, كأن بصري ما عاد له في الأفق مكان للنظر, يا صديقي تبتلع بعض الكلمات جوهر المعنى ولست بقادر أن أكسبها ما أشاء من المعاني علها تعبر للسحب عن أسفي و تقدم اعتذاري في أبه حلة فأنا أريد أن أنظر للسماء من جديد دون الشعور بالخجل.

يا صديقي أشعر أن الكتابة متناسقة حين تبتدئ بندائي لك, أشعر أن المسافة للحديث واسعة و شاسعة و متشعبة, أخبرك يا صديقي أن الحياة قاسية كما تعلم, قاسية جدا, و لا أظن أن الناظرين لها بعمق أمثالنا يشعرون فيها بالهناء.. ألا ترى كم هي معقدة هذه الحياة؛ حين نحاول أن نعرفها أو نسرد مكامنها نغوص بالتعقيد أكثر فأكثر, هي غير قادرة حتى على تقبل اللغة كما لا تتقبل وجودنا بها أيضا. يا صديقي كنت أحاول في أحد الأيام و أنا في مكان بعيد أن أميز بين نفسي و بين الآخرين و أنتشل كل جزء عالق مني وسطهم لكن أتعلم أني لم أجد أي شيء مني بينهم كي أسترده من جديد, لا أخفيك سرا أني شعرت بالخيبة و الحزن لكن شعرت أكثر بالغربة, كنت أرغب بالبكاء أيضا لكن كما تعلم لسنا صادقين إلى هذه الدرجة مع ذواتنا, لكني فعلا تمكنت من البكاء رغم أني شعرت بالقليل من الخجل يعاتبني, لكن لم ألقي له بالا, كنت أرغب فقط أن أشعر بتحسن طفيف.

كأن لي أملا في إعادة صياغة القصيدة بالشكل الذي يناسب الوضع و الهوية, كأن كل السنوات التي قضيتها بالحياة هباء منثور لم يسعف مزيج اللحظات في بناء شيء ما و يكسبه معنى ما. قد تبدو علامات الوقت في الكلام فصيحة لكن حين تكون اللغة قوية و صلبة فإنها تصبح غامضة و تضج بالمعاني المتناقضة, و يصعب حينها التحكم بها لأنها خرجت من غير طواعية عن السيطرة, سيطرة الكاتب و سيطرة المعاني المؤلمة.

يا صديقي كنت قد أخبرتك يوما عن الأمل و العمل و الخير و السلام, و كنت حينها سالما من الوعي التام بالحقائق, لكني أراك الآن تمر بمحاذاتي و أنت باسم الثغر تخفي بين نواجذك الكثير من الدلالات و الإجابات, و أنا الذي أدركت ضحكتك الماكرة شعرت بالخجل و الهزيمة؛ الخجل في الحوار و البحث عن عذر للهزيمة في الرهان بيني و بين السنين. كان يكفي ذاكرتي القليل من داك العطر الغريب كي أشاهد في رحلة عبر الزمن كلماتك الأخيرة قبل السفر إلى الوعي وعيك و تترك لي رسالة محفوفة بالغموض لم أدرك معانيها إلا حين قررت أن أعود لنفسي من جديد و أكون أنا, و أبدء في نسج المتاهة من جديد لكن هذه المرة بكل وضوح دون لف أو دوران.

و يا صديق كم تلتف الكلمات على الجذوع لتصنع مجدا للمعنى, و كم تحاول هشاشتي أن تقيم و تستقيم على خط الطريق الطويل, لكن الخصم ماكر و قوي. و أنا لست سوى غريب تائه في خضم نفسه لا يدرك كيف تعزف الحمامة لحن زواجها, و لا كيف تستيقظ الزهور في الحديقة كل صباح, و لا علم عندي عن سر تواضع الطاووس في مشيته. يا صديق حروف الكلمات أقوى من مخيلتي فلا تسئ فهم العاطفة و لا تجرح ما تبقى من عواطف من الحرب العالمية الأولى و الثانية. عانق السماء و أنت تتلو على النسيان ما تبقى مني عندك, و لا تدعي أنك لا تدرك المعنى أو أن لغتي مجاز لم يبلغ الضفة الأخرى. فقط لا تسئ فهم الكلمات و لا تحملها ما لا طاقة لها على تحمله, و أحملها برفق حتى لا تنكسر فقد ورثت عني الهشاشة و الضعف.

و يا صديقي أخسر كل يوما حلما و جزءا كبيرا من حلم كبير, فما عاد يكفيني الليل بطوله في الشتاء لأعيد صياغة نفسي كما تشتهي تقلبات الحياة. ما عاد في الوقت متسع للبحث عن ما تخلفه الكلمات خارج السياق أو داخله, ما عاد الشخص الذي لم تعرفه يوما ذاك الشخص الذي يعرف نفسه, فقد ترك نفسه في الصحراء الشاسعة دون بوصلة تعيده إلى معاني لا معنى لها, هجر كل شيء فجأة و تاه فجأة و مازال يحلم أن يعود أيضا بشكل مفاجئ.

من الكاذب و من الصادق يا صديقي, هل كلماتي لم تبلغ قمة الجبل بعد لتنظر بوضوح لكل شيء و تكف عن الثرثرة أمام الواقع المحتال, أم أن الغريب سحابة تائهة في خضم الفوضى و الرعود, و لا يقوى على ربط خيوط الحكاية بالشكل الصحيح و الفصيح, و يا صديقي هرمت كلماتي في ربيع العمر و هرمت لغتي. فمن الصادق؟ أنا أم ظلي, أنا الذي يركض خلف كل المعاني بكل جموح باحثا في الجموح عن معنى مستقيم, و عن كلمة فصيحة تخبر الناس بكل شيء دون هذا العناء الكبير في بلوغ التفسير الصحيح.

يا صديق..لكم هو محزن أن نرى حياتنا تمضي بالطريقة التي لا نشاء, لكم هو محزن أن نسير وفق خطة ما خارج نهج عقولنا و رغباتنا, لكم هو محزن أن تشعر بالسجن بداخلك يضيق بك أكثر فأكثر كلما غصت فالأشياء, و الأشخاص, و الأفكار.

عقلي منهك من نسج الحلم تلو الحلم دون أن أرى أملا في تحقق هذا الحلم, و مداد لساني سينفذ عما قريب دون أن أبلغ نهاية الطريق الطويل, اللحن يسري في العروق يوقظ الكثير من التفاصيل, و يعبث بالسياق و بالنهج الصحيح في التعبير, يخرج السياق عن السيطرة و تختلط علي الأمور من جديد. يا صديقي لكم نحن غرباء أينما حل بنا هذا الأمل السقيم.

يا صديقي نظرتي ترتد نحوي لم تعد ترى أي شيء هناك, إنها تنال مني, و هذا السحر ينقلب علي و يجتر كلماتي و يلقي بنا معا في المجهول البعيد و الوحيد.

 

محمد نايت علي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.