كلت القضية الفلسطينية، على مر السنين، إحدى ثوابت السياسة الخارجية للمملكة، والعمل السياسي والدبلوماسي وكذا الإنساني، للمغرب بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، من أجل نصرة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة.
فقد وضع جلالة الملك القضية الفلسطينية في مرتبة القضية الوطنية، حيث ما فتئ المغرب يدافع عن السلام في المنطقة من خلال حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، كما يعارض كافة الإجراءات أحادية الجانب التي تمس بتطلعات الفلسطينيين في تحقيق الحرية، وبالوضع القانوني للقدس الشريف.
وقد اتسم موقف المملكة المغربية من النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني على الدوام بالوضوح، والتوازن، والحكمة، بعيدا عن الشعارات والمزايدات السياسية التي لم تساهم سوى في تعطيل عملية السلام.
موقف المغرب هذا، تجلى بوضوح في الرسالة التي بعث بها جلالة الملك محمد السادس إلى الوزير الأول الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، والتي أشاد فيها جلالته بالقرار الصائب والمتبصر لدولة إسرائيل القاضي بالاعتراف بسيادة المملكة على صحرائها، حيث شدد جلالته، من خلال دعوته الوزير الأول الإسرائيلي القيام بزيارة إلى المغرب، على أن من شأن هذا اللقاء أن “يشكل مناسبة لتعزيز آفاق السلام لفائدة جميع شعوب المنطقة، وذلك باستحضار مضمون الإعلان الثلاثي الموقع في 22 دجنبر 2020 بين المملكة المغربية والولايات المتحدة الأمريكية ودولة إسرائيل، بما في ذلك ما يتعلق بالمبادئ التوجيهية التي يجب أن تحكم تسوية النزاع الإسرائيلي الفلسطيني”.
وتبرز الدعوة الملكية للوزير الأول الإسرائيلي الدور التاريخي والفاعل الذي ما فتئ ينهض به المغرب، بقيادة جلالة الملك، من أجل دعم السلام والاستقرار والتقريب بين شعوب الشرق الأوسط. كما تؤكد انخراطه القوي والبناء من أجل إقرار سلام عادل ودائم بالمنطقة.
فالمغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، يظل مقتنعا ومؤمنا بأن السلام هو الخيار الاستراتيجي لمنطقة الشرق الأوسط، وأن طريق المفاوضات والحوار هو السبيل الوحيد والأوحد للوصول إلى تسوية عادلة للنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، وفق حل الدولتين، تعيشان جنبا إلى جنب في أمن وأمان.
وكان جلالة الملك قد أكد في الرسالة التي وجهها إلى فخامة الرئيس محمود عباس، أبو مازن، رئيس دولة فلسطين في 23 دجنبر 2020، أن عمل المغرب من أجل ترسيخ مغربية الصحراء لن يكون أبدا، لا اليوم ولا في المستقبل، على حساب نضال الشعب الفلسطيني من أجل نيل حقوقه المشروعة، وأنه سيواصل انخراطه البناء من أجل إقرار سلام عادل ودائم بمنطقة الشرق الأوسط.
وما فتئ جلالة الملك يذكر المجتمع الدولي بالقضية الفلسطينية ودورها في أمن واستقرار المنطقة. إذ قد قال جلالته في الرسالة التي وجهها إلى رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، السيد شيخ نيانغ، بمناسبة اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، “لئن كانت أزمات دولية طارئة تحظى الآن بأولوية اهتمام المجتمع الدولي ومؤسساته، فإن القضية الفلسطينية ستظل، باعتبارها أقدم القضايا، مفتاح السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. لذلك، فإن أمن المنطقة واستقرارها يتطلب مساع وجهود متواصلة للخروج من منطق الصراع والعنف إلى منطق السلام والتعاون وبناء فضاء مزدهر لجميع شعوبها”.
ومن تجليات المساندة الدائمة والمستمرة لجلالة الملك للقضية الفلسطينية، المجهودات التي يبذلها على مستوى رئاسة لجنة القدس، والإشراف على وكالة بيت مال القدس الشريف، التي تجسد التضامن المطلق للمملكة مع فلسطين من خلال مشاريعها ومبادراتها الميدانية تجاه المقدسيين.
وتقوم الوكالة، منذ تأسيسها في عهد جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، ومن بعده جلالة الملك محمد السادس، بأعمال جليلة وقيمة في مدينة القدس من خلال مجموعة من المشاريع التنموية المتعددة التي تهم قطاعات لها أهميتها في حياة سكان القدس الشريف والتي تدعم صمودها وبقاءهم على أرضهم، شملت، على الخصوص، المجالات الاقتصادية والثقافية والتعليمية والرياضية. وتروم هذه المبادرات المتنوعة التقليص من دائرة الفقر وترميم المنازل، ساهمت المملكة المغربية بالنسبة الأكبر فيها.
وعملت الوكالة، التي احتفلت مؤخرا باليوبيل الفضي (مرور 25 سنة على إحداثها)، على المساهمة في تنمية الإنسان المقدسي، وإشاعة الأمل في صفوف أجيال القدس، ووضعت برنامجا خاصا بالمبادرات الأهلية للتنمية البشرية، تتضمن مشاريع للتمكين والتدريب وتنمية القدرات، موجهة خصوصا لفئات المرأة والشباب واليافعين.
وأنجزت الوكالة، ما بين سنتي 2000 و2022، حسب حصيلة قدمها المدير المكلف بتسيير وكالة بيت مال القدس الشريف، محمد سالم الشرقاوي، 200 مشروع كبير وعشرات المشاريع المتوسطة والصغيرة، استفادت منها كافة فئات المجتمع المقدسي، وتوزعت على جميع أحياء المدينة المقدسة، مبرزا أن كلفة هذه المشاريع المنجزة بلغت ما مجموعه 64 مليون دولار، توزعت على عدد من القطاعات، كالإعمار والصحة والتعليم، ومشاريع همت المساعدة الاجتماعية الموجهة للأيتام والأرامل والمسنين والأشخاص في وضعية إعاقة.