لم يكن الطفل عبد الرحمن يحلم أبدا بالعودة للعب كرة القدم بعد عام من بتر قدمه إثر إصابته برصاص الجيش الإسرائيلي بينما كان يلعب الكرة وفق قوله، قرب حدود قطاع غزة خلال احتجاجات “مسيرة العودة”.
بابتسامة وخفة كان يتنقل عبد الرحمن نوفل (12 عاما) على عكازين معدنيين وسط الملعب المفروش بالعشب الصناعي، وهو يتسلم الكرة ويصوبها نحو المرمى، بينما يراقب “الأمين العام للاتحاد الأوروبي لكرة القدم البتر” الإيرلندي سايمون بيكر الذي يزور غزة لعدة أيام لتأهيل ستة فرق شكلت حديثا في القطاع.
بيكر مدرب دولي محترف ويستخدم طرفا صناعيا لقدمه اليمنى المبتورة، كان يعطي توجيهاته باللغة الإنجليزية وسط استجابة اللاعبين.
وهذه المرة الأولى التي يزور فيها مسؤول دولي في هذا النوع من الكرة، غزة لتأهيل خمسة عشر مدربا واثني عشر حَكما وثمانين لاعبا معظمهم يعانون من بتر بسبب الإصابة بنيران الجيش الإسرائيلي، ويشكلون ستة فرق في القطاع الفقير والمحاصر منذ أكثر من عقد.
“الأمين العام للاتحاد الأوروبي لكرة القدم البتر” الإيرلندي سايمون بيكر خبير بكرة القدم رغم بتر قدمه اليمنى (الفرنسية) |
في صباح ذلك اليوم المشمس لم يكن هناك جمهور أثناء التدريب. نوفل هو أصغر لاعب يشارك في أول بطولة تعقد وترعاها اللجنة الدولية للصليب الأحمر في القطاع، رغم أن شرط العمر -وهو 16 عاما- لاينطبق عليه.
يحلم عبد الرحمن نوفل بأن يصبح لاعبا مشهورا مثل ليونيل ميسي لاعب نادي برشلونة الإسباني، ويقول: “ما كنت أتوقع أن ألعب الكرة مجددا” بعد بتر قدمه. ويضيف أنه قبل عام أصيب برصاص الجيش الإسرائيلي عندما كان يلعب مع أصدقائه كرة القدم في شرق مخيم البريج، خلال احتجاجات “مسيرة العودة”.
ونقل إلى رام الله للعلاج قبل أن ينقل للولايات المتحدة الأميركية لتركيب طرف صناعي، ليبدأ مشواره مع فريقه الجديد.
تغيير نظرة المجتمع
ويفخر علاء العايدي (13 عاما) -وهو طفل آخر أصيب أيضا في الاحتجاجات ذاتها شرق البريج- بأن حياته “عادت من جديد بلعب كرة القدم”.
خلال الاحتجاجات التي بدأت قبل عام قرب الحدود، أصيب نحو 6500 فلسطيني بالرصاص معظمهم في الأطراف وفق وزارة الصحة في قطاع غزة الذي تديره حماس.
ويعتبر سايمون بيكر أن الرياضة لمبتوري الأطراف “هي طريق رائع لإعادة تأهيلهم مجتمعيا”.
وفي فرصة ما بين شوطي المباراة التدريبية أضاف بيكر “نحتاج لإعادة الثقة إلى هؤلاء اللاعبين”، ويضيف “الناس هنا في غزة رائعون، هم مرنون للغاية وأقوياء، لا أعرف العربية لكنني أفهم اللاعبين”.
ولم يطلب بيكر الذي كان يتصبب عرقا بعد ساعة تمرين متواصلة، من لاعبيه الحديث عن أسباب إصابتهم، كما يقول “نحن هنا للعب كرة القدم”.
ويفخر المدرب خالد المبحوح (32 عاما) بنجاح هذه اللعبة في “تغيير نظرة المجتمع للأحسن.. في البداية عانينا من نظرة الشفقة والإنسانية، الآن نظرة رياضية وتقدير وتشجيع”.
ويحرص المبحوح على التقاط تعليمات بيكر ليعززها للاعبيه، ويقول “وجود سايمون هنا إنجاز كبير لفلسطين واعتراف دولي وسنناضل لنكون أعضاء في الاتحاد الدولي لكرة البتر، واثق بأننا سننافس محليا وعالميا”.
لكن الشاب يبدي انزعاجا وغضبا من التزايد بأعداد كبيرة لمبتوري الأطراف بالقطاع “في مسيرات العودة وهذا سيئ وعبء كبير”.
وتقول وزارة الصحة إن 136 حالة بتر على الأقل سجلت من بين المصابين في احتجاجات مسيرة العودة.
نصنع معجزة
لا توجد ملاعب مخصصة لكرة البتر في القطاع، ولا توجد مقار أو أندية لندرة الدعم المالي، بحسب كمال أبو الحسن نائب رئيس جمعية دير البلح لتأهيل المعاقين حركيا التي تحتضن الفريق.
ويضيف “لا أدوات ولا عكازات أصلية ولا ملابس رياضة ولا مواصلات، المعاناة كبيرة لكن لن نستسلم، استبدلنا بالإحباط الأمل في النجاح” ويتابع “في الانتفاضة الأولى (1987-1992) لم يكن هناك إلا 35 معاقا حركيا في القطاع، الآن بسبب الحروب الإسرائيلية ومسيرات العودة هناك مئات بل الآلاف وهذه مسؤولية الكل لرعايتهم، فكرة كرة القدم لغة سلام عالمية”.
ناجي ناجي (27 عاما) وهو كابتن فريق وسط القطاع وهو أول فريق تم تأسيسه، بترت ساقه اليمنى لإصابته خلال عملية عسكرية إسرائيلية عام 2007 يقول “نحن نصنع معجزة”.
ويؤكد ناجي -وهو عزب ويدرس الماجستير في تكنولوجيا المعلومات- أنه يتواصل مع أي مصاب لمساعدته في تركيب طرف صناعي والتأهيل للاندماج في المجتمع. ويضيف “اللعبة انتشرت وجمهورها يتزايد وستكون قريبا في الضفة الغربية”.
وتغلب الفريق على بعض الصعاب بعد عام من تكوينه، على ما يقول محمود الناعوق (40 عاما) وهو المدير الإداري للفريق.
ويؤمن الناعوق الذي بترت ساقاه خلال حرب 2014، بسياسة “خطوة خطوة لنصل للعالمية”.
ويشير إلى أن غزة تعتبر المنطقة الثالثة بعد لبنان ومصر في إنجاز تشكيل فرق لكرة القدم البتر.
ويقول الناعوق: “لم يخطر ببالي قبل إصابتي أنني سأتجه لكرة القدم، هدفنا أن يشعر من فقد طرفه أن بإمكانه أن يصنع كل شيء أفضل من الأسوياء”.