في الوقت الذي تنادي فيه عدد من الجمعيات المدافعة عن حقوق المرأة بمراجعة عدد من مواد مدونة الأسرة لتتلاءم مع مقتضيات الدستور، جاء الاعتراف من الحكومة، ممثلة في وزير العدل، بأن المدونة التي دخلت حيز التنفيذ منذ سنة 2004، لم تحقق ما كان مأمولا منها.
وقال محمد بنعبد القادر، في كلمة بمناسبة تقديم الدليل القانوني للنساء ضحايا الجرائم وخروقات القانون، إن صدور مدونة الأسرة شكّل محطة بارزة في التوجه إلى إرساء ثقافة الإنصاف والمساواة بين الجنسين وتأسيس منظور جديد للتعاطي مع وضعية المرأة بصفة خاصة، والأسرة بصفة عامة.
وأضاف أنه بعد مرور سبع عشرة سنة من دخول المدونة حيز التطبيق وما تحقق فيها من مكاسب كبيرة للأسرة المغربية، “أكد صحة الاختيارات التي نهجها المغرب في سبيل تحديث منظومته التشريعية والقضائية في مجال الأسرة”، قبل أن يستدرك بأنه “من باب الاعتراف، ينبغي الإقرار بأن النتائج المحققة على أرض الواقع لم ترق إلى مستوى الطموحات والانتظارات”.
وعزا وزير العدل سبب عدم تحقُّق كل ما كان متوخى من مدونة الأسرة إلى “معوقات اعترضت أو شابت التطبيق السليم لمقتضياتها، وكذا القوانين ذات الصلة، علاوة على الواقع الاجتماعي والاقتصادي والموروث الثقافي الذي حدّ من فعالية وجدوى كثير من المستجدات التي أحدثتها نصوص المدونة”، على حد تعبيره.
وعلى الرغم من عدم بلوغ ما تحقق من مدونة الأسرة مستوى الطموحات والانتظارات، سجل وزير العدل تحقيق عدد من المؤشرات الإيجابية خلال السنوات من 2004 إلى 2020، حيث عرفت عقود الزواج ارتفاعا ملحوظا، وانتقل عددها من 236.574 عقد زواج خلال 2004 إلى ما 275.477 عقدا سنة 2019، مبرزا أنه في بعض السنوات تجاوز عدد العقود عتبة 300.000 عقد.
وبخصوص زواج القاصر، أفاد وزير العدل بأن النتائج التي أظهرتها الإحصائيات وإن كانت لا ترقى إلى التطلعات، تبين أن زيجات القاصرين تتجه إلى الانخفاض سنة بعد أخرى، حيث انخفض عدد عقود تزويج القاصرين من 33.489 عقدا سنة 2014، أي عشر سنوات بعد تطبيق مدونة الأسرة، إلى 12.600 عقد سنة 2020، وهو ما يمثّل 6.48 في المئة من مجموع عقود الزواج المبرمة.
وأكد بنعبد القادر أن وزارة العدل أولت اهتماما خاصا لزواج القاصر منذ صدور مدونة الأسرة وعملت على اتخاذ عدد من التدابير والإجراءات من أجل تفعيل التطبيق الأمثل للمقتضيات التي نصت عليها المدونة، “لكي لا يتحول الاستثناء إلى أصل”.
وأفاد المسؤول الحكومي بأن وزارة العدل تفاعلت بإيجاب مع مقترح قانون يرمي إلى تعديل المادة 20 من مدونة الأسرة، التي تخوّل لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 19، أي 18 سنة، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي.
وينص مقترح القانون المعدِّل للمادة 20 من مدونة الأسرة، الذي تمت المصادقة عليه من طرف مجلس المستشارين وتناقشه لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، على إضافة شرط ألا يقل سنّ المأذون له بالزواج من طرف قاضي الأسرة المكلف بالزواج عن 16 سنة، ما يعني استحالة تزويج القاصرين أقلّ من هذه السن، كما ينص التعديل على أنه ينبغي على القاضي أن يراعي تقارب السن بين الطرفين المعنيين بالزواج.
وبالنسبة للطلاق والتطليق، تفيد الأرقام التي قدمها وزير العدل بأنه شهد ارتفاعا مطردا بعد صدور مدونة الأسرة سنة بعد أخرى، حيث انتقلت أحكام التطليق من 7213 حكما سنة 2004 إلى 31.085 حكما سنة 2009، وهي أحكام تخص التطليق بالشقاق بنسبة 99 في المئة، والشيء نفسه بالنسبة لحالات الطلاق التي انتقلت من 26.914 سنة 2004 إلى 27.149 حالة سنة 2019، يشكل منها الطلاق الاتفاقي نسبة 78 في المئة.
وبعد استعراضه لعدد من الإجراءات المتخذة من أجل تعزيز حقوق المرأة المغربية في التشريع والممارسة، أكد وزير العدل أن “هذه الخطوات الهامة لا تمثل نهاية المسار في التجربة المغربية”، مشددا على ضرورة استمرار الجهود المبذولة، وتنسيق العمل المشترك من أجل نشر ثقافة حقوق الإنسان عامة، وحقوق المرأة على وجه الخصوص.