نساء تركت بصمة في التاريخ

بقلم:  مخلص حجيب

بينما أنا أشاهد  وأتابع بشكل دقيق ما يحدث  في العالم العربي  من سيرورة ثورية في جل البلدان العربية ( شمال أفريقيا و الشرق الأوسط )، هذه الهبة الثورية التي توضح بشكل ملموس  عن  تنامي الوعي و الفعل الاحتجاجي في البلدان العربية، و إن اختلف  الشكل  النضالي من بلد لأخر،   نجد ونتفق  ان جل الحركات الاحتجاجية في العالم العربي الآن، بمختلف توجهاتها السياسية  تتمتع بمضمون  واحد و مطلب أوحد، فإذا الشعب الجزائري صرخ بمطلب شعبي ” يتنحاو كاع”  هاهم اللبنانيون يخرجون إلى شوارع بيروت بفعل احتجاجي فريد من نوعه  لكن بمطلب  لا يختلف عن إخوانهم الجزائريون “كلهن يعني كلهن”.

 

كل هذه الاحتجاجات دفعتني إلى العودة إلى أحد المقالات التي سبق و أن كتبتها في السابق، لكن اليوم أضحى من الواجب إعادة نشرها بطريقة أخرى و بأسلوب أخر، حقا ” لبنان” و” سوريا”   و “إيران”  تعتبر دول محور المقاومة لذا فإن من صالح  الدول المعادية لهذه الأنظمة العربية أن تعمل على خلق التوتر و الفتنة داخل هاته البلدان قصد إسقاط  وهزم المقاومة من الداخل بعدما  أضحى من الصعب  على الإمبريالية هزمها وقهرها من الخارج،  بعدما  أبانت جبهة المقاومة ( اللبنانية)  عن  بسالتها وتطوير آلياتها الدفاعية  في مواجهة نظام رأسمالي يهدف إلى السيطرة و التحكم  في الشرق الأوسط  و استغلاله أبشع استغلال..

 

إنني أطرح نقاشا تاريخا بأحداث  ومعطيات  تدخل في دائرة أذب الجاسوسية، الذي اعتمدته إسرائيل للتوغل في المجتمع اللبناني قصد تفكيك شفراته  حتى أحرزت في أخر المطاف التفوق  و الانتصار في حرب 1967،  إن هذا الموضوع التاريخي وجب استحضاره اليوم قصد فهم ما يحدث  من أحداث متفرقة المكان لكنها  و الأكيد تخدم قوى استعمارية معادية لمحور المقاومة و الممانعة اليوم.

 

يعتبر أدب الجاسوسية من بين الكتابات القليلة أو شبه منعدمة  في عالمنا العربي ، لنجد في المقابل موضوعات تتضمن مواضيع عن المهمشين  أو السياسة و العواطف  الرومانسية أو الفضح الاجتماعي،  لذا  نلاحظ أن أدب الجاسوسية يعيش واقع الشح  و الندرة، و هناك من يجمع بين أدب الجاسوسية و الأدب البوليسي  لكن في الحقيقة هناك فرق  واختلاف تام بينهما، لأن الأول  ينطلق من الواقع و من القصة عكس الأدب البوليسي..

 

اليوم نناقش شخصية بل ظاهرة في عالم الجاسوسية ، إسم عجيب ومرعب إنه – شولا كوهين – أو كما يسميها  كبار  رجال المخابرات في الكيان الصهيوني – لولوة الموساد – أضحت بطلة العصابات الصهيونية في وقت كان  الكيان المزعوم يبحث عن رموز يبني بها تاريخه المبعثر ، فقد كان ولازالت العصابات الإسرائيلية تبحث عن أي شخص  يهودي ولو وهمي لتجعل منه بطل  زمانه ورمز للأمة اليهودية وهنا  تبادر إلى دهني الجاسوس  اليهودي- إيلي كوهين –  الذي أعدم بدمشق  ” سوريا ” سنة1965

لحظة إعدام الجاسوس الصهيوني إيلي كوهين

لتقول  فيما بعد إسرائيل أنه كان يجيد فلسفة الإختراق ليقترب من القيادة البعثية السياسية و هذا أمر  غير معقول ونحن نعلم كيف هي فلسفة التنظيم  لذا حزب البعث  كما جل الأنظمة الشمولية ؟؟

لكن عبر هذا الملف نريد ان نسلط الضوء على شخصية فيها  جانب كبير من الصواب و الحقيقة شخصية نسائية صهيونية ، باشرت عملها التجسسي بلبنان في الأربعينيات  عبر شبكات للدعارة و إصطادت أغلب رجالات البلد السياسين ومن بينهم من يعتبر اليوم بطلا من أبطال الإستقلال ، إستغلت المال و الجنس في كشف  أسرار لا تعد و لا تحصى  عن دولة لبنان وعن عدد من قيادات المقاومة  سواء الفلسطينية او القيادات القومية البعثية أنذاك ، المال و الجنس  و الملاهي الليلية كانت هي سلاحها في مواجهة أي شخص ، إنها  لغة الإغراء الصهيوني  لفك  عقدة ألسنة  الشخصيات التي إحترقت بنار شولا كوهين .

باشرت شولا كوهين عملها للموساد في بيروت عام 1947 ، و كانت قد إنتقلت إلى بيروت بواسطة زوجها جوزيف كيشيك وهو تاجر يهودي من لبنان له متجرا في سوق سرسق في قلب  بيروت ، و خلال حفلة اليهودي الصهيوني جورج مولخو وهو أيضا عميل الموساد الإسرائيلي بلبنان لاحظ  تحركات – شولا كوهين – في الحفلة و كيف يتهافت الرجال  عليها و كيف كانت تتسلل من بين أصابعهم  كدخان سجارتها الشقراء  ، فتجالس هذا  وتغري ذاك بنظرات ساخنة ملتهبة .

لتلتفت إليها زوجة مولخو اليهودية الفرنسية قائلة : ” أظن ان هذه هي الفتاة التي تبحث عنها … لتخدم قضية إسرائيل … ” ليطلب بعدها  زوجها  اليهودي رئيس شبكة المخابرات بلبنان من زوجته  التسلل  و تتعرف على هاته الشابة التي قد  تخدم قضيتهم المزعومة ، هذا ما  قامت به  الزوجة الفرنسية لتتجادب أطراف الحديث مع – شولا كوهين – وتدعوها إلى منزلها قصد التعرف على زوجها المهم جورج مولخو للنقاش و إحتساء كأس ويسكي

شولا كوهين فتاة وادي أبو جميل دات  الجمال الأخاذ ، ستصبح فيما بعد سكرتيرة  خاصة لمولخو بهدذا  ستكون قد دخلت  في الشبكة التجسسية التي كانت تعد في لبنان كنواة أولى ، و كان إختصاص هذه الشبكة هو تهريب  اليهود من  لبنان نحو الأراضي المحتلة بفلسطين ناهيك عن جمع المعلومات و إختراق المؤسسات السياسية و الإقتصاديةي اللبنانية .

وبعد إنكشاف أمر جورج مولخو من طرف المخابرات اللبنانية انذاك كان لابد  من ان يغادر  جورج  في أقرب وقت لبنان و التوجه إلى فرنسا بعدها  إلى تل أبيب  بصفة نهائية ، و لذكاء وموهبة – شولا كوهين – جعلها  هي المسؤولة الأولى  عن الشبكة بلبنان باعت شولا كوهين خدماتها لمئات من كبار موظفي الدولة مابين 1947 و 1961 فقد جعلت بيتها مكان استقبال الزبائن بمنطقة وادي أبو جميل وهو حي يهودي قديم ببيروت ، وسعت – شولا – من اعمالها التخريبية منذ سنة 1956 لاختراق النافدين  في الدولة اللبنانية ، وقد  نجحت  هذه  العميلة الصهيونية  في تصوير الكثيركبار  من موظفي الدولة اللبنانية وقيادات المقاومة سواء كانت اللبنانية او الفلسطينية .

بعد ذالك ستسافر إلى إسرائيل ليكون شرطها الوحيد  لكبار القادة الصهاينة ، المال و النساء الجميلات كما  إنشاء أندية و  ملاهي ليلية  تابعة لشبكة التجسس و يمكنها ان تستقطب من خلالها كبار  المسؤولين  بلبنان وتجمع المعلومات عن الأوضاع  السياسية و الاقتصادية اللبنانية – إنها ببساطة شولا كوهين – بل  إنها ببساطة السياسة الصهيونية ، كل  شيء مباح مادام يخدم مصلحة إسرائيل الكبرى  ، وفي نهاية هذه السفرية تم تكريم – شولا الجاسوسة – في تل أبيب حفلة كبيرة حضرها كبار رموز الدولة الصهيونية ” موشي ديان ، وغولدا ماثير ، إسحاق حاييم ، كما فريق كبير من المسؤولين الإسرائلين و ضباط الاستخبارات .

و فعلا أنشئت – شولا كوهين – نوادي ليلية ودور دعارة و عملت   بذكاء وسرية  في تهجير و استقطاب عدد كبير من اليهود العرب لتشمل شبكتها عددا من الدول العربية أولها  ” سوريا ”  استغلت كذالك الممرات الجبلية اللبنانية في التهجير و تهريب الملايين أو بالأحرى سرقة الملايير من البنوك و الشركات اللبنانية لتهرب  إلى تل أبيب قصد إنعاش الاقتصاد الصهيوني على حساب الدول العربية .

وفي سنة 9 تموز 1962 بعد 14 عاما من التجسس  و العمل للموساد ، تم إيقاف شولا كوهين  وزوجها جوزيف كيشيك إضافة إلى عدد من الذين عملوا معها في شبكتها التجسسية ، عبر عملية أمنية إستخباراتية قادها بإخلاص و إحترافية و مهنية  الضابط اللبناني المسمى  جورج بركات ، وحكم على – شولا – يوم 25 تموز 1962 ، ب  20  سنة لدواعي سياسية أنذاك ، و أطلقت فيما بعد الحكومة اللبنانية شولا كوهين إبان نكسة 1967 وقد إستبدلوها بثلات ضباط طيران سوريين وعدد من المساجين العرب ؟؟؟

 

الشيئ العجيب أن  “شولا كوهين” هي والدة السفير الإسرائيلي السابق  – إسحاق ليفاتون – في العاصمة المصرية ،  إلى يومنا هذا  لايزال نفس السناريوه يحدث كل  يوم في عالمنا العربي  لكن الممثلين يختلفون و المواقع تختلف، وكأن ذاكرتنا  هي  ذاكرة سمكة  ننسى   بسرعة ما فعلوه ويفعلوه بنا  في كل دقيقة و ثانية  من حروب إقتصادية و سياسية وجنسية،  كما طائفية لكسر كرامة المواطن العربي في عمق  عزته وعروبته.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.