مداخلة رئيس الحكومة السيد عزيز أخنوش، في إطار الجلسة المتعلقة بالسياسات العمومية، بمجلس المستشارين، حول موضوع: “مخطط الجيل الأخضر ورهانات التنمية القروية والعدالة المجالية”

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه.

 

 

السيد الرئيس المحترم،

السيدات والسادة الوزراء،

السيدات والسادةالمستشارون المحترمون،


يسعدني أن أحضر بمجلسكم الموقر في هذه الجلسة المتعلقة بالسياسات العامة، وفق ما تنص عليه مقتضيات الفصل 100 من الدستور، من أجل تقديم إجابات عن محاور هي بالفعل من صميم اختصاصاتكم الدستورية، لاسيما أنها تتعلق بالمجالات ذات الصلة بالتنمية المجالية.

السيدات والسادة المستشارون المحترمون،

بداية لا يمكننا الحديث عن تنمية وطنية شاملة ونموذج تنموي منصف ومستدام، دون تحقيق تنمية حقيقية على مستوى العالم القروي. فالتنمية كما يطمح إليها جلالة الملك وجميع المغاربة، لابد أن تشمل جميع المناطق، حضرية كانت أو قروية، صناعية أو زراعية، حتى يمكن أن نتجنب اختلال التوازن المجالي للنمو واللاعدالة في السياسات التنموية.

ولذلك كان جلالة الملك سباقا لإثارة الإهتمام بالعالم القروي، ولا يسعنا هنا إلا أن نستحضر جميعا مضامين الخطاب الملكي السامي الذي وجهه جلالته إلى الأمة بمناسبة الذكرى الـ66 لثورة الملك والشعب، إذ قال جلالته، في منطوقه السامي: “الغاية من تجديد النموذج التنموي، ومن المشاريع والبرامج التي أطلقناها، هو تقدم المغرب، وتحسين ظروف عيش المواطنين، والحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية” انتهى كلام صاحب الجلالة، مؤكدا حفظه الله أن وضعية سكان العالم القروي “تحتاج إلى المزيد من الدعم والاهتمام بأوضاعها، والعمل المتواصل للإستجابة لحاجياتها الملحة”. مجددا دعوته للنهوض بالعالم القروي، من خلال “خلق الأنشطة المدرة للدخل والشغل، وتسريع وتيرة الولوج للخدمات الاجتماعية الأساسية، ودعم التمدرس، ومحاربة الفقر والهشاشة”.

ونظرا للأولوية التي يمنحها جلالة الملك للتنمية بالعالم القروي، فقد أعطى تعليماته السامية بمناسبة عيد العرش المجيد لسنة 2015 من أجل تنزيل برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بالوسط القروي برسم الفترة الممتدة ما بين 2017 و2023، من خلال وضع مخطط عمل مندمج للحد من التفاوتات المجالية والاجتماعية بالعالم القروي، يقوم على الشراكة بين الجهات ومختلف القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية المعنية، لتقليص الفوارق المجالية والاجتماعية.

لذلك يشــكل ورش التنمية القــروية واحدا من الأوراش الكبرى التي فتحها جلالة الملك، والتي تشغل بال الحكومة، لتحقيق النمو الاقتصادي المنشود والرفاه الاجتماعي، ولتوطين القاعدة الأساسية للتنمية المجالية والترابية، أخذا بالإعتبار كون العالم القروي يغطــي أكثر من %90 مـن المسـاحة الإجمالية لبلادنـا، ويمثل حوالـي %40 مـن السـاكنة ويضـم %85 مـن الجماعـات الترابية، ويساهم ب%20 من الناتج المحلي الإجمالي، ناهيك عن المساحة الصالحة للفلاحة التي يضمها والتي تناهز حوالـي 9 مليـون هكتـار.

إن رفع تحدي تنمية العالم القروي بالنظــر إلــى أهميتــه الديموغرافيــة والاجتماعية والاقتصادية، قرار لا رجعة فيه ولا يقبل التماطل أو التأخير تحت أي ذريعة كانت، لأن مسؤولية الحكومة في تحسين أوضاع العالم القروي، ليست هبة أو صدقة، بل هي واجبات دستورية وأمانة جسيمة وضعها على عاتقنا جلالة الملك وطوقتنا بها ثقة الناخبين خلال استحقاقات 8 شتنبر .

 

حضرات السيدات والسادة،

لقد شكلت تنمية العالم القروي، أولوية بالنسبة للمغرب، وكانت ركنا أساسيا في مختلف برامجه ومخططاته التنموية، غير أن الواقع الذي يعيشه اليوم، وبالرغم من تحقيق انجازات هامة، يكشف عن بعض مظاهر العجز ومواطن النقص، التي تحتاج منا كحكومة وبرلمان، أغلبية ومعارضة، سلطات عمومية ومنتخبين، التجند التام لتقليص الفوارق بين المجالين القروي والحضري حتى يتم إيقاف هوة الاتساع، وتذويب الفوارق الترابية.

وانطلاقا من ذلك، فقد تضمن البرنامج الحكومي ضرورة تعزيز مظاهر التنمية القروية، وتوطيد الجهوية كخيار دستوري وديمقراطي، وبديل تنموي لتعثر السياسات العمومية المركزية والممركزة، في القضاء على التفاوتات المجالية والاجتماعية، لذلك نتطلع في هاته الحكومة إلى خلق فرص سانحة لكل المغاربة بالمجال الحضري والقروي، من أجل بناء مستقبل أفضل لهم ولأسرهم في ظل دولة العدالة الاجتماعية والمجالية التي لا تقصي أحدا من سياساتها.

 

السيد الرئيس المحترم،

السيدات والسادة المستشارون المحترمون،

لقد شكل مخطط المغرب الأخضر على مدى العشرية الماضية رافعة أساسية للتنمية بالعالم القروي. فمنذ إطلاقه سنة 2008 من طرف صاحب الجلالة نصره الله، شكل المخطط آلية فعلية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية خاصة في صفوف فئات الفلاحين التي تشكل أساس الساكنة القروية.

وقد تم تفعيل هذا المخطط عبر إرساء دعامتين تتعلق الأولى بالفلاحة العضصرية ذات القيمة المضافة العالية والإنتاجية المرتفعة، في حين ترتبط الثانية منها بالفلاحة التضامنية في المناطق غير الملائمة.

هكذا وبعد مرور أزيد من 10 سنوات على إطلاق مخطط المغرب الأخضر، يمكن أن نسجل بارتياح كبير أن حجم منجزاته بلغت الطموح المسطر وحققت الأهداف المنتظرة منه.

فعلى الصعيد الإقتصادي، ارتفع إجمالي الناتج المحلي الفلاحي سنويا بمعدل 5.25٪ مقابل 3.8٪ بالنسبة للقطاعات الأخرى، حيث تضاعفت الثروة المحدثة من 65 مليار درهم سنة 2008 الى 125 مليار درهم عند متم سنة 2018. وبهذا المعدل، أصبح القطاع يساهم في نقاط النمو الاقتصادي الوطني ب 17.3 % خلال الفترة من 2008 إلى 2018 عوض 7.3% المسجلة في الفترة السابقة 1998/2008.

كما يساهم القطاع الفلاحي بنسبة 13 % من الناتج الداخلي الخام و13 % من القيمة الاجمالية للصادرات؛

حيث ارتفعت صادرات المنتجات الفلاحية خلال سنة 2019 الى حوالي 40 مليار درهم أي ما يعادل 2.8 أضعاف القيمة المسجلة سنة 2009 (14.2 مليار درهم).

وعلى المستوى الإجتماعي، فقد كان الفلاحون الصغار والمتوسطون في قلب جميع برامج وتدخلات مخطط المغرب الأخضر، من خلال الاستثمارات الكبيرة التي تم تخصيصها لهذه الفئة، والتي تجاوزت 43 مليار درهم؛

وشملت مشاريع الدعامة الثانية وحدها، أكثر من 733 ألف مستفيد من خلال 989 مشروعا التي عبأت ميزانية تقدر بحوالي 14,5 مليار درهم؛

كما ساهمت برامج التهيئة الهيدروفلاحية، في تحسين دخل أكثر من 190 ألف فلاح صغير ومتوسط، بتحقيق قيمة مضافة لكل هكتار مسقي بنسبة زيادة ما بين 5.000 إلى 10.000 درهم في السنة؛

وقد أتاح مخطط المغرب الأخضر توفير 342.000 منصب شغل إضافي، كما مكن من زيادة عدد أيام العمل في السنة لكل عامل، حيث انتقلت من 110 إلى 140 يوم/سنة، وذلك بفضل توسيع المساحات المزروعة، وتنويع المحاصيل، وتحسين الإنتاج.

حيث يمثل القطاع أزيد من 72 % من التشغيل القروي، ويساهم في تحسين التشغيل والدخل ومكافحة الفقر بالوسط القروي.

السيد الرئيس المحترم،

السيدات والسادة الوزراء،

السيدات والسادة المستشارون المحترمون،

إن السياسة العامة للدولة بقيادة جلالة الملك نصره الله التي تتجاوز الزمن الحكومي والانتخابي، حققت الكثير من المكتسبات للعالم القروي، لا سيما منذ إطلاق جلالة الملك، للمرحلة الأولى من برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية سنة 2017، حيث تم الشروع في إنجاز خمسة مخططات عمل سنوية لتنمية المجال القروي والمناطق الجبلية واللجان الجهوية الإثني عشر بميزانية تقدر ب 35 مليار درهم، (أي ما يناهز 70% من الميزانية المبرمجة الى غاية 2023).

ولتنزيل الرؤية الملكية السديدة، شكل صندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية دعامة هذا البرنامج الملكي بأن أصبح آلية أساسية ووعاء ماليا لتفعيل المقاربة المندمجة لتنمية العالم القروي، ليشكل بذلك رافعة لا تحل محل الميزانيات القطاعية ولا الجهوية، بل تسهر على الإلتقائية والإندماج.

وتجدر الإشارة أنه، إلى حدود نهاية السنة الجارية، تم الشروع في إنجاز 8137 مشروع بالجماعات الترابية التابعة للمجال القروي، تشمل 7066 مشروع للبنيات التحتية و1071 عملية اقتناء للعربات المتنقلة (سيارات الإسعاف، الوحدات المتنقلة، حافلات النقل المدرسي) والمعدات الطبية والمدرسية. وقد تم الى حدود نهاية 2021 الانتهاء من الأشغال ب 5261 مشروع تنموي مرتبط بمحاربة الفوارق المجالية والاجتماعية.

 

حضرات السيدات والسادة،

لقد حقق برنامج تقليص الفوارق الاجتماعية وتنمية العالم القروي معظم أهدافه على مستوى الإستهداف الترابي، حيث استهدفت مخططات عمل البرنامج 1066 جماعة ترابية و 142 مركز قروي لفائدة 14 مليون نسمة من الساكنة القروية. وقد شملت هاته المخططات كذلك، بعض المجالات الحضرية التي تعرف تدفقات وتفاعلات منتظمة للساكنة القروية، حيث غطت المشاريع المبرمجة كذلك 59 جماعة حضرية.

وقد ساهمت المشاريع المنجزة بشكل ملحوظ في تحسين مستوى عيش ساكنة الجماعات المستفيدة؛ حيث عرف عدد مهم من الجماعات المصنفة سنة 2016 ضمن الأولوية 1, 2 و3 (و هي الجماعات الترابية المعزولة و التي تفتقر إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية و تحتاج إلى استثمارات مهمة لسد الخصاص في أكثر من قطاع) تحسنا في وضعيتها المجالية، حيث مكنت المشاريع المنجزة من إدراج 128 جماعة كانت ضمن هاته الفئة سنة 2017، داخل الجماعات المصنفة ضمن الأولوية 4, 5 و 6 (أي الجماعات التي تتوفر على الحد الأدنى من الخدمات الاجتماعية الأساسية)حسب مؤشر الولوجية إلى الخدمات الأساسية.

هنا، للتوضيح، منين انطلق البرنامج صنفنا الجماعات المستهدفة حسب واحد المؤشر اللي هو الولوجية للخدمات الأساسية، وقسمناها لستة ديال الدرجات. بحيث أن الدرجة 1 هي الأسوأ فهاد الترتيب والدرجة 6 هي الأحسن بالنسبة لقياس الخدمات الاجتماعية.

وبذلك، في نفس السياق،انتقلت 224 جماعة مصنفة ضمن الأولوية 1, 2 و3 سنة 2016 الى فئتي الأولوية 5و6 سنة 2021 ما يرفع تعداد هذه الفئة الى 726 جماعة عوض 502 سنة 2016 (أي ارتفاع عدد الجماعات التي تتوفر على مجمل الخدمات الأساسية بنسبة 44%).

وحسب القطاعات، مكن البرنامج من تحسين الولوجية للمجالات القروية والخدمات المحدثة بها كالتالي:

– بالنسبة للطرق والمسالك: عرف تصنيف الجماعات ذات الولوجية الجيدة (5و6) تعزيز هاته الفئة ب 18%، حيث ارتفع عدد الجماعات ذات الولوجية الجيدة من 817 سنة 2016 الى 967 خلال 2021.

 

بالنسبة للتعليم:

عرف تصنيف الجماعات حسب مؤشر الولوجية الى البنية التحتية التعليمية تعزيز فئة الجماعات (5و6) ب 10%، حيث ارتفع عدد الجماعات بهاته الفئة من 669 سنة 2016 الى 734 خلال 2021.

كما تم تعزيز عدد الجماعات لذات الفئة ب 10%، حسب مؤشر جودة البنية التحتية التعليمية، حيث ارتفع عدد الجماعات بهاته الفئة من 347 سنة 2016 الى 381 خلال 2021.

 

بالنسبة للصحة:

عرف تصنيف الجماعات حسب الولوج الى البنية التحتية الصحية تعزيز فئة الجماعات (5و6) ب 13%، حيث ارتفع عدد الجماعات بهاته الفئة من 640 سنة 2016 الى 725 خلال 2021.

كما تم تعزيز عدد الجماعات لذات الفئة ب 68%، حسب مؤشر جودة البنية التحتية الصحية حيث ارتفع عدد الجماعات بهاته الفئة من 425 سنة 2016 الى 714 خلال 2021.

 

– بالنسبة للماء الشروب: ارتفع عدد الجماعات بالفئة 5و6 حسب مؤشر الربط بالماء الشروب من 791 سنة 2016 الى 907 سنة2021، أي بزيادة 15%.

– بالنسبة للربط بالكهرباء: ارتفع عدد الجماعات بالفئة 6 حسب مؤشر الربط بالكهرباء من 816 سنة 2016 الى 1209 سنة2021، أي بزيادة 48%.

 

هذا وقد لعب تحسين الولوجية عبر إنشاء المسالك وبناء الطرق القروية، دورا مهما في تقليص مدة الولوج إلى الخدمات الصحية والمؤسسات التعليمية، فضلا عن فك العزلة عن المدارات الفلاحية والمواقع السياحية. وقد تم تعزيز هذا الاستنتاج بشهادات مستقاة من الساكنة القروية و من خلال النتائج الأولية لدراسة التقييم النصف مرحلي، حيث بين استقصاء الآثار الإيجابية لهاته المشاريع في تنويع وخلق الأنشطة الاقتصادية، أن 27٪ من المستفيدين من إنشاء المسالك وبناء الطرق القروية مكنتهم هاته المشاريع من تنمية أنشطة اقتصادية غير فلاحية.

وقد امتد تأثير ووقع الاستثمارات في قطاع الطرق ليشمل ساكنة المناطق الحضرية إثر إنجاز مشاريع بناء وصيانة الطرق المصنفة التي تخدم كافة الساكنة (القروية والحضرية). ومن المرتقب ان تساهم مشاريع الطرق والمسالك المنجزة من الرفع من نسبة الولوجية بالعالم القروي إلى 90٪ بحلول سنة 2023.

كما أدى إنشاء وتأهيل البنيات التحتية للمؤسسات التعليمية والصحية إلى تحسين فرص الولوج إليها وتجويد خدمات مصالحها. كما ستساهم مشاريع بناء المؤسسات التعليمية والداخليات ومراكز الإيواء والمطاعم المدرسية والنقل المدرسي في تحسين مؤشرات التمدرس بالعالم القروي، وخصوصا ارتفاع نسبة تمدرس الفتيات القرويات. وفي هذا الصدد، أظهرت النتائج الأولية لدراسة التقييم النصف مرحلي أن نسبة تمدرس الفتيات أصبحت تصل الى 60٪ بالمناطق المستهدفة، أي بزيادة 15٪ مقارنة مع ذات النسبة سنة 2017، كما خلصت كذلك الى ان المدة اللازمة للتلاميذ للوصول إلى المؤسسات التعليمية قد تقلصت بنسبة 16٪ بالمناطق المستهدفة. وقد عبرت 75٪ من الساكنة المستفيدة عن تحسن ملموس في ظروف التمدرس نتيجة للمشاريع المنجزة خاصة الطرق والربط بشبكتي الماء والكهرباء.

أما بخصوص قطاع الصحة، خلصت النتائج الأولية لدراسة التقييم النصف مرحلي الى أن مشاريع بناء المؤسسات الصحية وعمليات اقتناء سيارات الإسعاف والوحدات الطبية المتنقلة ساهمت بشكل كبير في تحسين ولوج وجودة الخدمات الصحية بنسبة 98٪.

و من أبرز المؤشرات، التي أظهرها التقييم النصف مرحلي، في هذا الصدد، تسجيل انخفاض مهم في نسبة وفيات المواليد الجدد عند الولادة بنسبة 59٪.

كما مكنت مشاريع الربط بالماء الصالح للشرب من التقليص على التوالي من المسافة والمدة الزمنية اللازمة للتزود بالماء بنسبة 81٪ و82٪ حسب النتائج الأولية لدراسة التقييم النصف مرحلي للبرنامج، بالإضافة إلى تحسن ملموس في جودة مياه الشرب بنسبة 95٪ على مستوى الربط الفردي و٪65على مستوى النافورات.

كما تجدر الإشارة إلى أن المشاريع المنجزة مكنت من خلق أزيد من 103 مليون يوم عمل و234 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.

 

السيد الرئيس،

السيدات والسادة الوزراء،

السيدات والسادة المستشارون المحترمون،

بلا شك ستساهم هاته النتائج المحققة والدروس المستخلصة، إضافة إلى التوجيهات التي ستنبثق عن اللجنة البين-وزارية الدائمة لتنمية المجال القروي والمناطق الجبلية في إغناء قاعدة التفكير التي ستعتمدها الحكومة مستقبلا من أجل بلورة المرحلة الثانية للبرنامج بعد الموافقة المولوية السامية، وذلك لتعزيز المزيد من مكتسبات التنمية القروية وتجاوز مواطن النقص والقصور، التي تم تسجيلها بناء على تقارير التقييم بخصوص المرحلة الأولى، لاسيما في مجال إلتقائية السياسات العمومية ونجاعتها.

ومن هذا المنظور المتكامل، فتنمية العالم القروي ليست إقامة مدرسة هنا ومستوصف هناك وكلها بعيدة عن الطريق أو مسالك صالحة في تدخلات قطاعية متفرقة.

إن التنمية القروية سياسة عمومية متكاملة، تتطلب تنسيقا وإلتقائية بين كافة المتدخلين الحكوميين والمنتخبين الترابيين والمجتمع المدني، بناء على تصورات ومقاربات فاعلة متعددة الأبعاد والمداخل. ودون شك، فإن خيار الحكومة اعتماد سلطة حكومية مكلفة بتتبع التقائية وتقييم السياسات العمومية ضمن هندستها، سيساعد لا محالة في تحقيق نجاعة السياسة العمومية الموجهة لتنمية العالم القروي والتنسيق والتقارب بين البرامج القطاعية على أفضل وجه.

إن المنظور الجديد للسياسة الحكومية الموجهة لتنمية العالم القروي وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، لا يمكن أن تتم خارج مقاربة شمولية ومبدعة، تأخذ بعين الإعتبار تحديات:

– فك العزلة عن المناطق النائية والجبلية من خلال بناء الطرق والمسالك والمعابر، بغية تحسين مستوى عيش الساكنة القروية وتمكينها من الإستفادة على قدم المساواة من الفرص والموارد الطبيعية والاقتصادية لهذه المجالات؛

– تحسين و تعميم ولوج الساكنة القروية إلى الخدمات الأساسية المتعلقة بالكهرباء ومياه الشرب والتعليم والصحة؛

– خلق الظروف اللازمة لتعزيز وتنويع القدرة الاقتصادية للمناطق القروية والجبلية، والتي ينبغي أن تؤدي إلى تحسن عام في الدخل وظروف عيش الساكنة، وبالتالي تحسين مؤشرات التنمية البشرية في هذه المجالات.

السيد الرئيس المحترم،

السيدات والسادة المستشارون المحترمون،

تأسيسا على ذلك، تضمن البرنامج الحكومي في إطار الخطوط العريضة المتعلقة بتنمية العالم القروي ضمان حسن تنزيل استراتيجية الجيل الأخضر الفلاحية التي أطلقها جلالة الملك يوم 13 فبراير 2020.

والجدير بالذكر أن استراتيجية الجيل الأخضر تعتمد على ركيزتين، تتجلى الأولى في إعطاء الأولوية للعنصر البشري، وتتعلق الثانية بمواصلة دينامية التنمية الفلاحية.

وتهدف الإستراتيجية كما أرادها صاحب الجلالة نصره الله إلى:

– إدخال حوالي 400 ألف أسرة فلاحية إلى الطبقة الوسطى، وهو ما سيتيح تثبيت مداخيل 690 ألف أسرة؛

– خلق جيل جديد من المقاولين الفلاحين الشباب، بفضل تعبئة مليون هكتار من الأراضي الجماعية لإنجاز مشاريع استثمارية في المجال الفلاحي؛

– تقليص الفجوة بين الحد الأدنى للأجور والحد الأدنى للأجور في القطاع الفلاحي؛

– تعميم التأمين الفلاحي لمساحة تناهز 2.5 مليون هكتار؛

– منح تحفيزات للمقاولين الفلاحيين الشباب، من أجل إحداث مقاولاتهم واستغلالها وضمان التعاقب بين الأجيال لمواصلة تطوير القطاع الفلاحي؛

– تمكين 180 ألف فلاح من الذين يرغبون في نقل استغلال الأراضي للشباب، من التقاعد إذا هم رغبوا في تفويت أراضيهم أو تأجيرها؛

– منح مساعدات لإحداث مقاولات في مجال مهن الخدمات الفلاحية ومواكبة خلق المقاولات الفلاحية الناشئة؛

– تكوين 150 ألف شاب فلاحي لمساعدتهم على تحويل المنتوجات الفلاحية، وتطوير سلاسل ذات قيمة مضافة عالية، كالفلاحة العضوية وإدماج الاقتصاد الأخضر وإبراز مقاولين جدد في القطاع الفلاحي؛

– خلق 350 ألف منصب شغل جديد مباشر في العالم القروي؛

 

حضرات السيدات والسادة المستشارون،

في سياق متصل، لابد أن أذكركم، ومن خلالكم الرأي العام وخصوصا بالعالم القروي، بأن الحكومة، وفي إطار أولويتها الخاصة بتنزيل كل مقتضيات الورش الملكي لتعميم الحماية الاجتماعية، قد عملت على إصدار المرسوم المتعلق بتعميم التغطية الصحية للفلاحين.

كما وافق المجلس الحكومي على القانون المتعلق بالسجل الوطني الفلاحي، ومرسوم متمم لتنظيم وزارة الفلاحة يدمج تدبير الحماية الاجتماعية للفلاحين ضمن اختصاصاتها.

ومن شأن هذا النص، الذي أدعو البرلمان إلى سرعة التعاطي معه، أن يفتح المجال أمام أزيد من مليون و600 ألف فلاح، مع ذوي حقوقهم، للإستفادة من التغطية الصحية انطلاقا من السنة القادمة.

وقد تم إلى حدود اليوم، وبفضل تجند مختلف المصالح الحكومية المعنية وخصوصا مصالح وزارة الفلاحة، تحديد أزيد من 857 ألف مستفيد من الفلاحين، خصوصا من الصغار والمتوسطين.

حضرات السيدات والسادة،

وترسيخا للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمرأة القروية في ظل النموذج التنموي، فإن الحكومة عازمة من خلال سياسات عمومية مندمجة، على تعزيز الإدماج الفعال للمرأة القروية في النسيج الاجتماعي والاقتصادي، من خلال الرافعات الإستراتيجية التي تروم تقليص الفوارق المجالية بينها وبين شقيقتها بالمجال الحضري، من خلال تعزيز محاربة الأمية في صفوف النساء بغض النظر عن سنهن، وخاصة في الوسط القروي، وتعزيز آليات إدماج المرأة القروية في السياسات العمومية، لاسيما فيما يتعلق بتطبيق الميزانية المستجيبة للنوع الاجتماعي، بالإضافة إلى تطوير برنامج مغرب التمكين من أجل مزيد من تعزيز الإدماج الاجتماعي والاستدامة للنساء القرويات.

فلم يعد مسموحا أن ترتبط صورة المرأة القروية بالأمية وزواج القاصرات والحرمان من حقوقها في التعليم والصحة، والعيش وسط التهميش والإقصاء والعمل الشاق في السهول والجبال وبين الحقول ومشاغل البيت وتربية الأبناء. لقد آن لهذا الوضع أن ينتهي من خلال نهج سياسات عمومية قادرة على إدماج المرأة القروية في النسيج الاقتصادي والاجتماعي وتجعلها عنصرا فاعلا في صناعة القرار الترابي.

 

حضرات المستشارات والمستشارون المحترمون،

لا يمكن الحديث عن اندماج السياسات العمومية في مجال العالم القروي كعنصر أساسي لا مناص منه، في مختلف المشاريع والقرارات والعمليات التنموية الإلتقائية دون تفعيل دور الجهات. فالجهة اليوم تتحلى بمركز الصدارة الدستورية على مستوى الجماعات الترابية، وهي إحدى الدعامات المجالية لضمان نجاعة السياسات العمومية على المستوى الترابي، خاصة مع الاختصاصات المهمة التي تحظى بها الجهات لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لاسيما في العالم القروي.

وفي هذا الإطار تتمحور المقاربة الجديدة لتنمية العالم القروي، حول التعاقد بين الدولة والجهات، بين المركز واللاتمركز، وكذلك على الشراكة المتعددة الفاعلين، عموميين أو خواص، عبر ابتداع أنماط مبتكرة، وصياغة أساليب فاعلة في حقل التنمية القروية وتقليص الفوارق الجهوية. وستشكل المرحلة الثانية من برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بالوسط القروي فرصة مواتية لإنجاز مشاريع تنموية ملائمة لفائدة العالم القروي من خلال برامج أفقية مشتركة بين القطاعات الحكومية تستجيب لمعايير الإلتقائية والنجاعة والفعالية، مما سيؤدي إلى التحسن التدريجي للظروف المعيشية للساكنة القروية، وبالتالي تحسين مؤشرات التنمية البشرية لديها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.