كلمة وزير العدل في الدورة الـ52 لمجلس حقوق الإنسان

السيد رئيس مجلس حقوق الانسان، السيد المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أصحاب المعالي والسعادة، حضرات السيدات والسادة.

يطيب لي ببالغ السعادة أن أتوجه، باسم المملكة المغربية، بهذه الكلمة إلى الجزء الرفيع المستوى من الدورة الـ52 لمجلس حقوق الانسان، وأغتنمها مناسبة لأتقدم إليكم السيد رئيس مجلس حقوق الإنسان بأصدق عبارات التهنئة على انتخابكم، متمنيا لكم كامل التوفيق في مهامكم بما يؤدي إلى تعزيز أدوار المجلس، وتنمية الحوار والتعاون بين الدول بغية النهوض بوضعية حقوق الانسان عبر العالم.

وأنتهز مناسبة بداية عضوية المملكة المغربية بالمجلس، للتأكيد على أن هذه الثقة الدولية تشكل حافزا لبلادي لمواصلة الوفاء بالتزاماتها في مجال حقوق الانسان، باعتبارها تجسيدا للإرادة العليا للدولة وتوجها وطنيا استراتيجيا لا رجعة فيه. وهي مناسبة تجدد من خلالها المملكة رغبتها في جعل مدة عضويتها جزء من الرغبة الجماعية للمنتظم الدولي في تقوية أواصر التعاون والتضامن لتحقيق مزيد من المكتسبات لتحسين أوضاع حقوق الانسان.

السيد الرئيس

لقد واصلت المملكة المغربية إنجاز أوراشها الإصلاحية الكبرى، وعلى رأسها الورش الملكي للحماية الاجتماعية باعتباره ورشا مجتمعيا كبيرا مكن، مع نهاية سنة 2022، من إدماج 22 مليون مستفيد إضافي في نظام التغطية الصحية الاجبارية. كما سيمكن من تعميم التعويضات العائلية بالنسبة للأطفال في سن التمدرس والذي سيستفيد منه 7 ملايين طفل، في أفق 2024، وتوسيع قاعدة الانخراط في أنظمة التقاعد ليستفيد منه 5 ملايين شخص إضافي، في أفق 2025، وتعميم التعويض عن فقدان الشغل بالنسبة للأشخاص الذين يتوفرون على شغل قار، في أفق 2025.

وواصلت بلادي إصلاح المنظومة الصحية الوطنية، من خلال إحداث الهيئة العليا للصحة، والمجموعات الصحية الترابية، والوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية، فضلا عن إعداد مشروع ‏قانون جديد ‏يخص الموارد البشرية بالوظيفة الصحية يروم تعزيزها وتثمينها. كما واصلت العناية بقضايا التربية والتعليم من خلال رصد إمكانيات بشرية إضافية ووضع خارطة الطريق 2022-2026 من أجل مدرسة عمومية ذات جودة للجميع.

وتم إيلاء العناية للحق في الشغل، من خلال اعتماد برنامج “أوراش” المخصص لتوفير العمل لفئات خاصة من المواطنين، والذي استفاد منه سنة 2022 ما يزيد عن 100 ألف شخص، كما تم تعزيز هذا المجهود ببرنامج “فرصة” لتشجيع الفعل المقاولاتي للشباب عبر ضمان الولوج الى التمويل، حيث استفاد منه خلال نفس السنة ما يفوق 10 آلاف شخص. وفي نفس السياق، حرصت المملكة على مواصلة الحوار الاجتماعي، من خلال التوقيع، خلال سنة 2022، على محضر “اتفاق اجتماعي” وعلى “ميثاق وطني للحوار الاجتماعي”، إضافة الى اتفاقات قطاعية، بما يهدف الى تحسين أوضاع العمال وضمان تعزيز السلم والأمن الاجتماعي.

كما نال الحق في الماء عناية خاصة، باعتباره مادة حيوية تقتضي، في ظل نذرتها مع تكرار حالة الجفاف والاجهاد المائي المتواصل، التحلي بالمسؤولية والجدية والالتزام بالتدبير العقلاني والمستدام، من خلال اخراج البرنامج الوطني الأولوي للماء.

وقد تميزت سنة 2022 بالعناية الملكية بقضايا المساواة والمرأة، ولاسيما تمكينها من حقوقها القانونية، من خلال تبني خيار مراجعة مدونة الأسرة، وتفعيل المؤسسات الدستورية المعنية بقضايا المرأة. كما انخرطت بلادي في مراجعة شاملة للمنظومة الجنائية تتوخى الملاءمة مع المعايير الدولية والتحولات المجتمعية ومستجدات العصر، من خلال إعداد مشروع قانون جنائي وقانون مسطرة جنائية جديدين ومشروع قانون يخص العقوبات البديلة. كما عرفت بداية هذه السنة تفعيل المقتضيات القانونية لتغذية الأشخاص الموضوعين تحت الحراسة النظرية والأحداث المحتفظ بهم.

السيد الرئيس؛

في الوقت الذي عرف السياق الدولي صعوبات وتحديات شديدة الأثر على حقوق الانسان في ظل تداعيات انتشار فيروس كورونا والآثار المدمرة للنزاعات المسلحة ومخاطر التغيرات المناخية وانتشار خطاب التطرف العنيف والإرهاب والعنصرية وكراهية الأجانب، واصلت المملكة المغربية جهودها الرامية إلى تعزيز قيم الحوار والسلام والتسامح والتعاون والاحترام المتبادل بين الدول، من خلال احتضان أشغال المنتدى العالمي التاسع لتحالف الحضارات الذي توج بإعلان فاس الذي شكل وثيقة دولية ذات أهمية بالغة في هذا المجال. كما احتضنت مدينة مراكش الندوة الدولية الأولى حول الآليات الوطنية للتنفيذ وإعداد التقارير والتتبع في مجال حقوق الانسان التي اختتمت بإعلان مراكش الذي يندرج في إطار الجهود الدولية لتعزيز أدوار هذه الآليات وتطوير الشراكات والتعاون وتقاسم التجارب، والذي سيكون موضوع نشاط مواز يوم غد على هامش هذه الدورة.

وقد شكل انضمام المملكة الى البرتوكول الاختياري الأول الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والبرتوكول الاختياري الملحق باتفاقية القضاء ضد جميع أشكال التمييز ضد المرأة، حدثا حقوقيا بالغ الأهمية، ومحطة إضافية بارزة في المسيرة الوطنية التي أقرتها الإرادة العليا للدولة وكرسها الدستور.

ووفاء بالتزاماتها الدولية قدمت المملكة المغربية، في نونبر 2022، التقرير الوطني برسم الجولة الرابعة من آلية الاستعراض الدوري الشامل. كما عرفت سنة 2022 مناقشة التقرير الوطني الجامع للتقريرين الدوريين الخامس والسادس بشأن اعمال اتفاقية مناهضة التمييز ضد المرأة أمام اللجنة الأممية المختصة التي أثنت على الجهود المبذولة لتحسين أوضاع المرأة وكفالة المساواة والتمتع بالحقوق الإنسانية للنساء، فضلا عن تقديم توصيات تندرج ضمن توجهات الإصلاح المنشود والأوراش والبرامج الجارية. وتستعد المملكة لمناقشة التقرير الدوري الثاني حول إعمال اتفاقية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم خلال شهر مارس المقبل، كما أنها مقبلة، خلال شهر دجنبر القادم، على مناقشة تقريرها الوطني حول اعمال اتفاقية التمييز العنصري.

وبالموازاة، استقبلت المملكة، خلال شهر نونبر الماضي، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالعنف ضد الأطفال التي التقت بالفاعلين المعنيين وقامت بزيارات ميدانية لمدن طنجة والدار البيضاء والداخلة. وتأمل بلادي أن يتواصل التفاعل مع الإجراءات الخاصة لتنظيم زيارات ميدانية متوازنة، تمكن من تعزيز النهج التعاوني مع هذه الآليات.

السيد الرئيس

تجدد المملكة المغربية بخصوص النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية، التأكيد على دعمها للمسلسل السياسي والتزامها بصيغة الموائد المستديرة، بمشاركة جميع الأطراف، تحت الرعاية الحصرية للأمم المتحدة، قصد التوصل إلى حل “واقعي وعملي ومستدام وقائم على التوافق”، في إطار السيادة الوطنية والوحدة الترابية للمملكة، وعلى أساس مبادرة الحكم الذاتي التي اعتبرها مجلس الأمن للمرة 19 مبادرة جدية وذات مصداقية، وهي المبادرة التي شهدت دعما واسعا من قبل عدد من الدول الوازنة، باعتبارها “الإطار الوحيد لحل هذا النزاع الإقليمي المفتعل”، كما أكد على ذلك جلالة الملك محمد السادس نصره الله في خطابه السامي في ذكرى 20 غشت 2022. وهكذا، ارتفع العدد الإجمالي للدول الداعمة لهذه المبادرة إلى 91 دولة، كما تعززت ديناميتها بافتتاح عدد من الدول الإفريقية والعربية ومن أمريكا الجنوبية قنصليات لها بالصحراء المغربية.

وتتوافق هذه الدينامية مع الشرعية الدولية التي كان آخرها قرار مجلس الأمن رقم 2654 الذي أعاد التأكيد على صيغة الموائد المستديرة باعتبارها الصيغة الوحيدة المؤطرة للمفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة لأجل تيسير التوصل إلى حل سياسي يكون “واقعيا وعمليا ومستداما وقائما على التوافق”. كما طالب كل الأطراف، بالانخراط في مسلسل الموائد المستديرة، وهو المسلسل الذي مازالت الجزائر وصنيعتها ترفضه، متشبثة بخيارات متجاوزة طمرتها الأمم المتحدة منذ أزيد من عقدين.

وفي الوقت الذي تشهد فيه الأقاليم الجنوبية للمملكة طفرة تنموية اقتصادية واجتماعية شاملة تتيح للساكنة التمتع بحقوقها والمشاركة في تدبير الشؤون العامة من خلال المؤسسات التمثيلية، فإن معاناة المغاربة المحتجزين في ظروف قاسية للغاية في معسكرات تندوف بالجزائر ما تزال متواصلة ومنذ حوالي نصف قرن، حيث أن يومياتهم مؤثثة بالحصار ومصادرة حق التجمع والمنع من التنقل، كما يعانون من الإعدامات خارج نطاق القانون والاعتقالات التعسفية والاختفاءات القسرية وممارسة كافة أشكال التعذيب والاغتصاب والاتجار بالبشر وتجنيد الأطفال، من طرف ميلشيات ترهن التمتع بأبسط الحقوق بالخضوع والانصياع السياسي والإيديولوجي الكامل.

أتمنى لأشغال هذه المجلس الموقر كامل التوفيق والسلام عليكم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.