كلمة السيد الوزير في حفل تخرج الفوج 42 للملحقين القضائيين

الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله و آله وصحبه
السيدات و السادة أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية…………………………….
السيدات و السادة المسؤولون القضائيون………………………………………………………
السيدات و السادة ممثلو المهن القضائية…………………………………………………………
السيدات و السادة أطر و أساتذة المعهد العالي للقضاء………………………………………
أبنائي و بناتي الاعزاء خريجات و خريجي الفوج 42 للملحقين القضائيين……………….

حضرات السيدات و السادة، أيها الحضور الكريم،
هناك لحظات في العمر تختزل العمر كله، وهناك محطات يقف بها قطار الحياة و يشكل وقوفه بها ، قبل أن يستأنف المسير ، لحظة فارقة توجه المستقبل وجهة تتخذ بها الحياة معنى جديدا، و أملا متجددا، و تنفتح بها آفاق تتحقق فيها الأحلام و تتجسد الامنيات و ينمو معها حجم المسؤولية و تثقل بها الأمانة الملقاة على عواتق حامليها.
و لئن استحق أحد ما تهنئته على فوز بمنصب أو استحقاق لثقة، فأنتم من أولى الناس بذلك، لأن منصب القضاء لا يكاد يضاهيه في حجم مسؤوليته منصب،

و لأن ثقة الجناب الشريف أسماه الله و أعز أمره، التي حزتموها بعد إذنه المولوي أن تتولوا الحكم بين الناس باسمه وطبقا للقانون، شَرَفٌ ما بَعْدَهُ شَرَفٌ، و بَحْرُ فَخْرٍ يَمُدُّهُ من بعده سبعةُ أَبْحُرٍ، و نعمة من الله تستوجب صادق العرفان و جميل الإحسان فهنيئا لكم في يومكم هذا الذي نحتفل فيه بعبوركم إلى حومة القضاء الفسيحة، و نشاطركم فرحة ولوج محراب العدل المقدس الذي يزن ميزانه الحجج و يعاير البراهين و يستقري الأدلة؛ قال تعالى ( و السماء رفعها ووضع الميزان).
هنيئا لكم على ما صبرتم عليه من تحصيل علمي، و ما جاهدتم عليه أنفسكم من تكوين عملي؛
هنيئا لكم على ساعات المثابرة التي نلتم بها شرف التميز، و على لحظات الجد و الكد التي تخطيتم بها عتبة التحدي لتكسبوا رهان الفوز بإعجابنا جميعا ، نحن الحاضرين هنا، و لنقول لكم بلسان واحد و على قلب رجل واحد: ما خاب فيكم الظن، و ما ضاع فيكم الأمل، وما انتكست فيكم التوقعات حينما تم اختياركم من خيار المتبارين لتصبحوا من حملة لواء القضاء.
بناتي و أبنائي الاعزاء،
لا أدعي أنني في حكمة عمر بن الخطاب، ولا في بعد رؤيته، و لست أملك بالتأكيد فصاحته و لا بيانه الذي تشهد به رسالته الشهيرة في القضاء إلى أبي موسى الاشعري، لذلك لا يمكن لخطابي إليكم أن يرتقي إلى ذلكم المستوى من الايجاز الجامع المانع، و لكنني في المقابل موقن أنكم متشبعون بما ورد فيها من مبادئ وما

تضمنته من بيان لأصول القضاء و قواعد فض الخصومة بين المتقاضين.
و أنا موقن بذات القدر أنكم تستحضرون دور القضاء في بناء الأمم وفي صناعة نهضتها و تأمين استمرار ازدهارها، لأن ذهاب العدل موذن بخراب العمران كما يقول العَلاَّمَةُ ابن خلدون.
فالمهام المنوطة بكم جسيمة عظيمة، و الادوار التي يرجى اطلاعكم بها تتسع دائرتها باستمرار في عالم متغير محتاج على الدوام إلى تأمين الرخاء الاقتصادي و السلم الاجتماعي.
ومن هذا المنظور فالقاضي ابن بيئته، يفعل فيها و يتفاعل معها بما يعود على محيطه بالنفع و يسهم في تحقيق المقاصد الكبرى التي تؤسس عليها الدول و تستقر بها المجتمعات.
حضرات السيدات و السادة،
لقد كنت و لا زلت و سأظل وفيا إلى نظرتي إلى السلطة القضائية، التي تترجم عمق احترامي لها و تقديري لرجالاتها، ليس فقط لما يمليه الواجب و تفرضه القوانين، و لكن أيضا،لما يمثله القضاء في وجداننا جميعا و لما تشكله صورة القاضي التي تربينا على احترامها و تبجيلها و توقيرها في مجتمع يعتبر العدل أسمى ما يتوق إليه.
و لا شك أن هذه النظرة ازدادت نضجا بعد تشريفي من قِبَلِ الجناب الشريف أسماه الله بتولي حقيبة العدل،ومن حسن حظي أن هذه التولية جاءت في

مرحلة مفصلية شهدت التنزيل الحقيقي لعدة أوراش اصلاحية تمكنا فيها بفضل الله ثم بفضل الرؤية الحكيمة المستبصرة لجلالة الملك حفظه الله من التمكين لها و العمل على إنجاحها بسعي متساو مشترك و تعاون مثمر بناء مع المجلس الاعلى للسلطة القضائية و رئاسة النيابة العامة، كل من موقعه و حسب ما تقتضيه القوانين.
و هي مناسبة أخرى أؤكد فيها اعتزاز وزارة العدل بمستوى التفاهم الذي يطبع علاقتها بكافة مكونات السلطة القضائية في كل الميادين و على شتى الاصعدة.
تفاهم استطعنا بفضله جميعا تجاوز كل العقبات التي كان من الطبيعي أن تعترض أداءنا بين الحين و الحين، إلى أن اتضحت الرؤى و تبينت السبل على أساس إرادة مشتركة سعت و لا زالت تسعى إلى ترجمة الرؤية الاصلاحية لرئيس المجلس الاعلى للسلطة القضائية، جلالة الملك محمد السادس حفظه الله الذي يعتبر مهندس الاصلاح و مرشده الأول.
و إن ما استطعنا تحقيقه، كل في مجال اختصاصه، خلال هذه الفترة اليسيرة من الزمن، ليبعث على الرضى و يُوَلِّدُ الاطمئان على أننا نسير في الاتجاه الصحيح، وفق ما تؤكده مؤشرات الاداء بالمحاكم و ارتقائها نجاعةً و حكامةً.
و في هذا الاطار فالوزارة ماضية في تنفيذ التزاماتها، و على رأسها ولوج عهد المحاكم الرقمية، و تطوير المحاكم عبر تحديثها ومكننة آليات الاشتغال بها و القطع، ما أمكن، مع العهد الورقي الذي تعزى إليه الكثير من أسباب البطء و التراخي و انعدام النجاعة.

ولعل من حسن طالع الافواج الجديدة أن تخرجها يأتي في مرحلة شهدت ميلاد سلطة قضائية مستقلة مؤسساتيا، و تنزيل تصورات الاصلاح في المحاكم لتكون في مستوى يليق بحرمة القضاء، و يسعفه في تقديم خدمةٍ مَرْفِقِيَّةٍ تحقق تطلعات المتقاضين و عموم المواطنين.
و من البديهي أن تحسين الوضعية المؤسساتية و الوظيفية للقضاء يستلزم في المقابل كل مكونات منظومة العدالة التجند من أجل الوفاء بمتطلبات المرحلة و الانخراط الجاد و المسؤول في مسلسل إصلاحها.
حضرات السيدات و السادة،
إذا كانت للقضاء هذه المكانة الاعتبارية التي تجعله في صلب الاهتمام و مركز العناية، فإن منظومة العدالة كل متكامل، لا غنى فيها عن باقي المهن القانونية و القضائية.
وهي دون أدنى ريب، جزء من المعادلة التي لا تستوي فيها النتيجة إلا باحتسابها وبيان قيمتها.
ولأن جودة أداء القضاء مرتبط بجودة أداء تلكم المهن، فإن وزارة العدل تتبنى برنامجا واعدا لتكوين المنتسبين إلى المهن القضائية وفق رؤية تتوخى إعدادهم و تكوينهم تكوينا علميا و عمليا يتسم بالمتانة و يجعلهم قادرين على الاضطلاع بمهامهم بالمحاكم على أكمل وجه.
يأتي هذا وإشارة بدء العمل على وشك أن تعطى للشروع في استعمال المقر

الجديد الذي تم إعداده وفق معايير نموذجية يُنتظر أن تجعل منه فضاء شاملا رائدا على المستوى القاري و الاقليمي لإعداد و تكوين الموارد البشرية الذي تحتاجها منظومة العدالة.
وكما لا يخفى عليكم، فقد تم مؤخرا تنظيم امتحان ولوج مهنة المحاماة و أسفر عن نجاح 4547 محام متمرن يشكلون موردا بشريا هاما سينتفع مرفق القضاء بخدماتهم.
و هو رقم ذو دلالة و يطرح علينا في وزارة العدل تحديا كبيرا من أجل الاشراف على تكوينهم بشكل يؤهلهم لأن يكونوا في مستوى التكوين الذي يتلقاه الملحقون القضائيون، و ليتحقق بهم الولوج المستنير إلى القضاء لمن أراد الاستعانة بخدماتهم.
فتكوين المحامين المتمرنين، لم يعد خطابا مستهلكا يتم ترديده في المناسبات، بل هو التزام أكدته كوزير للعدل، و أكرر الالتزام به وفق ما هو متفق عليه و ما سيتم الاتفاق عليه مع السادة النقباء و جمعية هيئات المحامين بالمغرب.
فبقدر ما نحتاج إلى قضاء كفء ونزيه، نحتاج إلى دفاع مقتدر ومتمرس و كلاهما يحتاج إعدادا خاصا و تكوينا متينا.
و لا أستثني من ذلك الموارد البشرية في باقي المهن القضائية، من كتاب الضبط، و المفوضين القضائيين، و الموثقين و العدول حيث سنعمل على تمكينهم من تكوين يؤهلهم لأن يسهموا في بناء منظومة للعدالة، تتسم بالوحدة و يطبعها التناغم و الانسجام في أداء مهامها.

فأملي أن نتمكن من إنشاء جيل جديد، نسلمه مشعل العدالة و نحن مطمئنون إلى أن أبناءنا و أبناء أبنائنا سينعمون بمنظومة راقية الأداء مضمونة النجاعة، موفورة الحكامة، تعمل وفق منهجية تطبعها الوحدة و يسودها التكامل.
بناتي و أبنائي الاعزاء الخريجات و الخريجين،
أعلم أن لكل داخل دهشة، و أن صعوبة البداية لازمة يشكو منها كل مبتدئ، و أعلم أن مما يشغل بال الكثيرين منكم بالاضافة إلى انشغاله بكيفية ولوجه إلى عالم القضاء وممارسته الفعلية فيه، انشغاله بالتدبير المادي للمرحلة الانتقالية التي يتعين عليه فيها التحاقه بمقر تعيينه، و حاجته إلى ما يستعين به في قضاء حوائجه و لوازمه إلى حين ترتيب أجرته رسميا، لذلك أصدرت توجيها إلى المؤسسة المحمدية للأعمال الاجتماعية لقضاة و موظفي العدل لتمكينكم، إن رغبتم، من قرض مبلغ مالي في حدود 20000 عشرين ألف درهم لكل مستفيد. و يمكنكم مباشرة إجراءات الاستفادة من يوم غد إن شاء الله.
وبما أن المناسبة شرط، و ارتباطا بالوضعية المادية للقضاة، فإنني أجدد تأكيدي على إيماني العميق بحق السادة القضاة في العيش الكريم، و في تحسين وضعيتهم المادية، بما يتناسب و حجم المسؤولية التي يتحملونها، و حجم المهام التي يضطلعون بها، و وفاء لما يبذلونه في سبيل أن يعم العدل و يسود الأمن و الآمان.
إن مطالب القضاة، ليست ترفا و لا زيادة، بل هي حاجة و ضرورة، فإن كان شرف القاضي في كفافه و عفافه، فواجب علينا نحن أن نضمن هذا العفاف و هذا الكفاف.

و أود بهذه المناسبة أن أبشركم بأن بشائر الخير تلوح في الأفق و أن العمل متواصل مع وزارة المالية في هذا الاتجاه و أرجو أن نتمكن في المستقبل القريب من تحقيق هذا المطلب الذي هو حق وواجب، حق لكم وواجب علينا.
بناتي و أبنائي الاعزاء
عادة ما يكون آخر الكلام هو أكثر ما يعلق بالذهن، لذلك آثرت أن أجعل نهاية كلامي إليكم بَوْحاً ووصية.
أما البَوْحُ فهو أنني أكن لكم في نفسي كل مودة و تقدير.
و أنظر إليكم نظرة إجلال و إكبار مستحقة لما تمثلونه في وعينا جميعا.
و أما الوصية، فاذكروا كيف كنتم تتصورون القضاة قبل أن تصيروا قضاة، و كيف كنتم تريدونهم أن يقضوا بينكم.
أكيد أنكم كنتم ترجون أن يقضوا لكم كما لو كانوا يقضون لأنفسهم.
فها قد صرتم قضاة و يكفيكم أن تقضوا بين الناس كما لو كنتم تقضون لأنفسكم، فإن فعلتم ذلك فقد ملكتم ما تستتغنون به عن كل وصية.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.