كلمة الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية خلال فعاليات الجامعة الخريفية المنظمة من طرف المندوبية السامية لإدارة السجون وإعادة الادماج تحت عنوان: “ظاهرة العود أية حلول “
بكل اعتزاز وتقدير يشرفني المشاركة معكم اليوم في افتتاح هذا اللقاء المتميز الكبير الذي يحظى برعاية ملكية غالية تعبر عن الرؤية الحكيمة المتبصرة لجلالته وتعكس عنايته السامية المفعمة بروح إنسانية عظيمة واهتمام كبير بأوضاع رعاياه الأوفياء. لفتة ملكية تحمل الكثير من الدلالات والعبر وتطالبنا ببذل الكثير من الجهد والعمل الوطني الذؤوب خدمة للعدالة ببلادنا.
فكل عبارات الشكر والتقدير للسيد المندوب العام لإدارة السجون وإعادةالإدماج الفاضل المحترم والأخ الكريم محمد صالح التامك على هذه المبادرة القيمة وعلى كل ما يبذله من أجل خلق دينامية جديدة في هذا المجال الحيوي الحساس الذي يحمل الكثير من الأبعاد والرهانات ويثير العديد من التحديات والصعوبات.
والثناء موصول لكل السيدات والسادة الخبراء والمشاركين الذين سيغنون جلسات هذه الجامعة الخريفية بآرائهم الموضوعية وتصوراتهم العملية وسيتحون لنا فضاءا للحوار الرصين الجاد ومن أجل بلورة رؤية واضحة تدعم أسس العدالة الجنائية ببلادنا .
الحضور الكريم؛
” ظاهرة العود أية حلول؟” عنوان لسؤال آني ملح يعبر عن قلق كبير ويحمل في طياته الكثير من الأسئلة والعديد من المقاربات وتقتضي الإجابة عليه تحليل العديد من الجوانب ذات الأبعاد المؤسساتية والفردية، القانونية والحقوقية، البنيوية واللوجيستيكية، الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية.
الأكيد أننا أمام معضلة تؤرق الجميع وطنيا ودوليا وتستدعي كما هو مسطر ببرنامج هذه الجامعة الخريفية التركيز على أسس هذه الظاهرة ومداخلها ودوافعها والبحث في التجارب المقارنة على الممارسات الفضلى الملائمة لمحيطنا الوطني بكل واقعية وتفعيلها بكل جدية وايجابية لارتباطها بالحقوق والحريات وبالأمن في مفهومه الشامل الذي يسعى إليه الجميع.
لا أحد ينكر حجم الجهود المبذولة ببلادنا لمواكبة التطور والتحول الذي عرفه مفهوم العقوبة والسياسة الجنائية التي انتقلت من فكرة الانتقام والزجر والردع بنوعيه العام والخاص إلى فكرة الإصلاح والتهذيب وإعادةالإدماج وما يسعى إليه المشرع المغربي لتطوير ترسانتهالقانونية التي شملت العديد من النصوص ذات الارتباط بالقانون الجنائي والمسطرة الجنائية والمؤسسة السجنية،إلاأن مظاهر المعضلة ما زالت مستمرة والمتمثلة في تزايد نسبة الإجرام وتنوعه، وارتفاع حالات العود في صفوف مختلف الفئات العمرية والأصنافالإجرامية مع ما يترتب عنهما من اكتظاظ من آفات ومشاكل متعددة ذات أبعاد مختلفة تلزمنا جميعا باتخاذ مبادرات مواطنة مسؤولة لمواجهتها.
الحضور الكريم؛
لقد كانت ظاهرة العود محط دراسة وتحليل أثناء الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة حيث تم الإقرار بأن تعزيز حماية القضاء للحقوق والحريات مرتبط لا فقط بمراجعة السياسة الجنائية وإصلاح سياسة التجريم والعقاب وملائمة القوانين الوطنية مع الدستور والاتفاقيات الدولية الخاصة بمنع الجريمة وحقوق الإنسان والارتقاء بأداء العدالة الجنائية ، وإنماأكدتأيضا على ضرورة التنسيق بين السياسة الجنائية ومختلف السياسات العمومية لمكافحةالجريمة والوقاية منها ووضع خطط فرعية متخصصة ضمنها لمواجهة ظواهر إجرامية محددة وتوسيع قاعدة الجرائم القابلة للصلح و كذا مجال العقوبات الإداريةفي ميدان الأعمال كما تم التأكيد على ضرورة نزع صفةالتجريم عن بعض الأفعال والبحث عن حلول خارج المنظومة الزجرية وإقرار بدائل للعقوبات السالبة للحرية واعتماد ضوابط ومعايير محددة في أعمال السلطة التقديرية للقضاة وترشيد الاعتقال الاحتياطي بإخضاعه لضوابط واضحة محددة ومراجعة الضوابط القانونية لوضع الأشخاص تحت الحراسة النظرية وتحسين ظروف إقامة نزلاء المؤسسات السجنية بما يساهم في إعادةإدماجهم وأنسنة تنفيذ العقوبة.
والكل من أجل وضع نظام يساهم في الحد أو التقليل من حالات العود للإجرام تشارك فيه جميع القطاعات المعنية من مؤسسات حكومية وقضائية ومجتمع مدني ووسائل الإعلام والفاعلين في المنظومة التربوية والأسرية.
الحضور الكريم ؛
الأكيدأنناأمام موضوع مجتمعي يحظى باهتمام الجميع قانونيين وحقوقيين ومختصين في علم الاجتماع وعلم النفس وعلماء الإجرام والعقاب وإعلاميينوتربويين، لكن تبقى السلطة القضائية من موقع التزاماتها الدستورية والقانونية مدركة لأهميةإيجاد التوازن بين الحقوق والمصالح المختلفة بشكل يضمن حقوق المتهم والضحية في نفس الآن في إطارمحاكمة عادلة من أجل تكريس الأمن والاطمئنان في مضمونه الواسع، وهو ما يبدو جليا من خلال العديد من الأحكام والقرارات الصادرة عن محكمة النقض أومحاكم الموضوع والتدابير والمبادرات التي يقوم بها السادة المسؤولون والقضاة من أجل تحقيق عدالة جنائية قوامها التطبيق العادل للقانون.
لكن يبقى المسار طويل وشاق ويحتاج إلى مقاربات تشاركية مندمجة تعتمد على آليات الحكامة وتستهدف حلول عملية ناجعة تجفف منابع هذه الظاهرة وتحد من آثارها وعواقبها الكثيرة والمتعددة.
ولي اليقين أنأشغال هذه الجامعة الخريفية وما تتضمنه من محاور ومداخلات التي ستقدمها نخبة من الكفاءات والقامات الفكرية والقانونية المتخصصة ستتيح لنا فرصا للتفكير والنقد البناء واقتراح مقاربات وتصورات وحلول تساعدنا جميعا على تطوير استراتيجيتنا وتحقيق أهدافنا المجتمعية الكبرى.
ولا بد أن نستحضر بأن أكبر جريمة هي تضييع الوقت وكما يقال (أوقية من الوقاية هي خير من قنطار من العلاج ).
يقول الله تعالى: ” رب اجعل هذا البلد آمنا وارزق أهله من الثمرات”. صدق الله العظيم .
والسلام عليكم ورحمة الله تعال وبركاته