قصة أرنو ياو لا تصدق. بدأ كل شيء عندما اندلعت أعمال العنف الدامية بين أنصار الرئيس المنتهية ولايته لوران غباغبو وأنصار منافسه الحسن واتارا في عام 2011 في أبيدجان، لينتقل للعيش في غانا حيث حاول احتراف كرة القدم، قبل أن يواجه جحيم العبودية في ليبيا ويقرر ركوب قوارب الموت، التي حملته إلى محطة مغامرته الأخيرة إيطاليا.
بعد معاناة طويلة، وصور موت لا تفارق ذاكرته، وقع أرنو ياو في عيد ميلاده الثامن والعشرين عقد عمل دائم مع ملجأ “فراتيرنيتا ماسي” الذي يستقبل آلاف المهاجرين على الحدود الفرنسية الإيطالية ويستفيد من إعانة سنوية من وزارة الداخلية الإيطالية.
مواهب وخبرات وأول عقد عمل…
في عام 2021، وصل أرنو ياو إلى هذا الملجأ الذي أسس في عام 2017، وأصبح محطة توقف للمهاجرين الراغبين في الوصول إلى بر أوروبا الغربي أو الشمالي.
وفي تصريحه لموقع “سكاي نيوز عربية”، أوضح ياو أنه عندما علم عن الملجأ، كان متأكدا من أن إتقانه اللغة الفرنسية وبشرته السوداء، سيكونان عاملان أساسيان لمنح الثقة لكل المهاجرين الذي يتوافدون على هذا الملجأ بالآلاف.
ويبدو أن مواهب الشاب الإيفواري المتعددة، لفتت انتباه مؤسسة “تاليتا كوم” التي تدير الملجأ، إذ أنه يتقن أيضا اللغات الإنجليزية والإيطالية التي تعلمها بسرعة بمجرد وصوله إلى إيطاليا في عام 2016، هذا بالإضافة إلى لغته المحلية الأم.
وإلى جانب لسانه الناطق بعدة لغات، فإن تجربته مع الهجرة غير الشرعية كانت مفيدة للإدارة الإيطالية التي قررت تعيينه كوسيط في المنازل المجتمعية ومراكز طالبي اللجوء.
وبفضل وساطته، منح الأمل للعديد من المهاجرين وفضل العديد مهم البقاء في إيطاليا. وذكر: “لقد أقنعت العديد من الشباب الفاقد للبوصلة بالبقاء، وعدم المخاطرة من جديد بحياتهم والمرور عبر جبال الألب الباردة إلى فرنسا. لكن في بعض الأحيان لا يمكننا منعهم من إتمام الطريق لأن غالبية الأفارقة، أصحاب البشرة السوداء، يعتقدون أنهم لن يكونوا في أوروبا إلا بعد وصولهم إلى فرنسا”.
تبخر الأحلام وبداية المعاناة ….
ويبدو أن حلم الهجرة إلى الضفة الثانية لم يكن أبدا يراود أرنو ياو، الذي ينحدر من الطبقة المتوسطة في أبيدجان، إلا أن الصراع الدامي على السلطة وسقوط مئات القتلى دفعه للرحيل إلى النيجر خصوصا أن والده كان سائق مسؤول سياسي آنذاك.
وفي هذا الصدد، يقول: “كنت عاشقا لكرة القدم وحاولت الانضمام إلى فرق كرة قدم محترفة. إلى أن تلقيت ذات يوم رسالة استغاثة من صديقة محتجزة لدى رب عملها في ليبيا الذي يطالب بفدية لإطلاق سراحها”.
وبدون تردد، استجاب لطلب صديقته وجمع أغراضه وغادر إلى ليبيا. لتبدأ المشاكل والمعاناة بمجرد أن دخل تراب حدود هذا البلد.
“أخذت قراري وأنا لا أعلم شيئا عن الأوضاع في ليبيا. بالكاد وصلت إلى الحدود، سرقت مدخراتي وأوراقي ثم سجنت لستة أشهر. تم نقلي خلالها من سجن إلى آخر إلى أن قادتني السبل إلى سجن في مدينة الزاوية غرب العاصمة طرابلس”، يضيف ياو.
قضى ابن العاصمة الإيفوارية ثلاثة أشهر من العذاب والجوع والعطش والحر في سجن هذه المدينة التي تعتبر نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين الذين يسعون لعبور البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا.
“لقد كنا 54 شخصا معظمهم من المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء في زنزانة لا تتعدى مساحتها 15 مترا مربعا. لم يكن لدينا حتى مكان لمد أرجلنا. لم نكن نعامل كبشر. توفي صديق لنا لم يتحمل قسوة الحياة هناك. وفي نهاية المطاف تم بيعنا للعمل كعبيد دون مقابل مادي”، يتذكر ياو بحزن شديد.
وبالفعل، عمل لمدة ثلاثة أسابيع في تنظيف حظيرة دجاج وقرر الهروب من جديد. نجحت خطته ووصل مدينة زوارة الساحلية في غرب ليبيا، نقطة انطلاق العديد من القوارب المتجهة إلى أوروبا.
البحر قبر مفتوح
“لا أستطيع نسيان هذا الجانب المظلم من حياتي. لم تكن أمامي العديد من الاختيارات. بين الموت عبدا أو الموت في البحر قررت أن أجرب حظي وركبت الموج”، يقول أرنو.
لم يكن الأمر هينا، فبعد محاولة فاشلة، كادت الثانية أن تكون القاضية، مضيفا “وصل القارب إلى المياه الدولية، لكن المحرك تعطل وكانت هناك أمواج كثيرة ودوامات في الماء ولم أكن أتقن السباحة ولم تكن لدينا سترات نجاة. صليت كثيرا لأننا بقينا ثلاثة أيام وسط البحر. واضطررنا لرمي جثة مراهق في البحر، كان عمره لا يتعدى 13 عاما. وبقيت الأفكار تتضارب في عقلي إلى أن وصلت إلينا البحرية الإيطالية”.
وهكذا طوى المغامر صفحة الماضي بمجرد وصوله إلى باليرمو، حيث قدم طلب اللجوء في 25 مايو 2016. والتحق بمركز تدريب لدراسة اللغة الإيطالية وحصل على دبلوم مسؤول الخدمات اللوجستية في تورينو. وفي الوقت نفسه، بدأ مهمته كوسيط مع المهاجرين الجدد والتي لا يزال يقوم بها حتى اليوم.
وفي المقابل لم يتخلى عن حلمه، إذ منذ وصوله إلى “فراتيرنيتا ماسي” في عام 2021، يحضر حصص تدريب كرة القدم حتى أنه لعب كلاعب خط وسط في دوري الدرجة الخامسة الإيطالية.
ويختم حديثه بصوت متفائل: “كنت أتمنى أن أصير لاعب كرة قدم، لكن رياح سفينتي قادتني إلى طريق آخر. ويبقى أملي الوحيد أن أستطيع في يوم من الأيام إنشاء أكاديمية لكرة القدم للمواهب الشابة في الكوت ديفوار وأن أصبح مدير أعمال لاعب يافع . ونسيان كل صور الموت وظلمات السجن والبحر التي ظلت راسخة في ذاكرتي”.