عايدة الصيداوي.. مرابطة مقدسية أرهق ثباتها أجهزة الاحتلال الأمنية

61 عاما مرت من عمر المرابطة المقدسية عايدة الصيداوي، عاشت 45 عاما منها بجوار المسجد الأقصى المبارك، وما زالت تسكن قرب باب الحديد، أحد أبواب أولى القبلتين.

لا تعرف هذه المرأة الهدوء سوى عند حديثها عن علاقتها العاطفية بالأقصى، وترفض التزام الصمت والتسليم بالأمر الواقع عندما يتعلق الموضوع بتدنيس هذا المقدس والاعتداء عليه من المتطرفين أو قوات الاحتلال.

ولدت عايدة الصيداوي عام 1961 في مدينة الخليل (جنوبي الضفة الغربية)، وانتقلت للعيش في المدينة المقدسة بعد ارتباطها بزوجها المقدسي لتحظى بنعمة لطالما حلمت بها، وهي أن تكون “جارة الأقصى”.

سرعان ما تطورت علاقتها بالمكان وحفظت معالمه عن ظهر قلب، وبات ملاذها في لحظات سعادتها وحزنها، فلم تكن تفارقه سوى ساعات قليلة يوميا.

وبحلول عام 2003، بدأ اقتحام اليهود المتطرفين المسجد الأقصى بقرار قضائي، ومنذ ذلك الحين انقلبت حياة الصيداوي رأسا على عقب، وشعرت أن مسؤولية رفض الانتهاكات “يجب أن تقع على عاتق كل مسلم يغار على دينه ويرفض أن تنتهك مساجد الله”، كما تقول.

وتواصل حديثها للجزيرة نت “قابلتُ الاقتحامات بالتكبير، وسُجل في عام 2007 أول اعتقال وإبعاد عن المسجد الأقصى بحقي، لأنني وقفت أمام باب المغاربة وبدأت بالتكبير احتجاجا على أعمال حفريات في ساحة البراق.. شعرتُ أن جسدي يتمزق خلال أعمال الحفر”.

لرحلة الرباط شرح يطول:

لم تأبه الصيداوي بالملاحقة، وصممت على الانضمام لمشروع “مصاطب العلم” -الذي أسسه الشيخ رائد صلاح وحُظر لاحقا- ومن هناك بدأت مرحلة ملاحقة أشرس بحقها وبحق عشرات المرابطات اللاتي التحقن بالمشروع.

تتوقف عن الحديث للحظات ثم تهب فيها نار الحسرة على تدنيس هذا المقدس، فتتابع -في حديثها للجزيرة نت- “تعرضتُ للإهانات والتنكيل والضرب المبرح والسحل في أثناء الاعتقال، وسُجنت 3 مرات وبلغ مجموع ما أبعدته عن المسجد الأقصى حتى الآن 4 سنوات.. لا أحد يحب أن يُذل ويلاحق، لكنني مصممة على إكمال طريق الرباط لوجه الله تعالى”.

منذ عام 2014 حتى يومنا هذا تزداد الهجمة على كل من يقف في خط الدفاع الأول عن المسجد الأقصى ويتصدى لاعتداءات المتطرفين داخله وفي محيطه، ولا يولي المرابطون اهتماما بجميع المضايقات التي يتعرضون لها، ولكن لا يؤلمهم وينغص عليهم حياتهم سوى عقوبة واحدة، هي الإبعاد عن الأقصى.

وعن ذلك تقول الصيداوي “الإبعاد هو الجرح الذي لا يندمل، بل يتعمق أثره يوميا في روحي، لا سيما القرارات التي أتسلمها قسرا قبيل شهر رمضان.. أتحسر على كل دقيقة تمر من الشهر الفضيل وأنا مبعدة”.

فقد تعرضت الصيداوي خلال رحلة رباطها الطويلة لكثير من العقوبات، منها الحرمان من خدمة “التأمين الصحي” لمدة 7 أشهر، ومن مخصصات “ضمان الدخل” لمدة 3 سنوات، وحاول المحققون خلال استدعائها المتكرر للتحقيق ابتزازها ومساومتها على استرجاع هذه الخدمات مقابل ترك الرباط وعدم الاحتكاك بالمرابطات.

مراوغة واستدراج:

وبالتوازي مع فرض العقوبات، حاول الاحتلال مرارا استدراج عايدة الصيداوي لبيع منزلها القريب من الأقصى مقابل السماح لها بدخول المسجد بحرية وإسقاط جميع التهم التي وجهت لها خلال السنوات الماضية، بما فيها الاعتداء على شرطي أمام أحد الأبواب.

بيد أن هذه المرابطة ترفض أن تحيد عن الطريق الذي تقول إنها اختارتها لنفسها حتى “يتحرر المسجد الأقصى من دنس المحتلين”، وتصر على الوجود في الأروقة المؤدية للمسجد “والتصدي لعربدة المستوطنين” في البلدة القديمة ومحيطها، فكان لها نصيب من الاعتداء الوحشي في الأيام الأخيرة مع احتفال المتطرفين بيوم “توحيد القدس” في أزقة البلدة العتيقة.

وتضيف “تابعتُ أحداث المسجد الأقصى في ذلك اليوم عبر شاشة التلفاز قسرا؛ لأنني مبعدة عنه، وبكيتُ بحرقة بسبب مشاهد الاقتحام ورفع العلم الإسرائيلي والاعتداء على النساء؛ فقررتُ عدم الجلوس مكتوفة الأيدي.. توجهتُ لباب العامود ظهرا، وهناك رشني أحد المتطرفين برذاذ الفلفل ودفعني آخر بقوة”.

لم تتمالك الصيداوي نفسها أمام العبارات التي تحرض على قتل العرب والشتائم الموجهة للرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، فردت على ذلك بالقول “الله أكبر.. القدس لنا والأرض لنا والله بقوته معنا.. ارحلوا عن أرضنا أنتم قتلة، قتلتم شيرين أبو عاقلة ومحمد الدرة وحرقتم محمد أبو خضير.. أوجعتهم كلماتي فاستهدفوني فورا”.

لم تثنها الإصابة عن مواصلة الرباط، فتوجهت لباب الساهرة (أحد أبواب البلدة القديمة)، ووقفت هناك مع مجموعة من النساء اللاتي صدحت حناجرهن بالتكبير عند اعتقال الشبان، وكانت الصيداوي تشجع كل شاب في طريقه لمركز التحقيق بالقول “بسيطة يمّا اللي بدو وطن بدو يضحي”.

وكأن لهذه المرأة الصامدة بوجه أعتى نظام فصل عنصري نصيبا من اسم باب الحديد الذي تسكن بجواره، فبإرادة حديدية ونبرة قوية ثابتة ختمت حديثها -للجزيرة نت- بالقول إن أمنيتها الوحيدة هي “أن يطيل الله في عمري، لأشهد تحرير هذه الأرض المقدسة من الاحتلال”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.