افتتحت يوم أمس الدورة الـ 16 لمسابقة تشايكوفسكي الموسيقية الدولية، وسوف تستمر وقائع المسابقة من اليوم وحتى 28 يونيو الجاري. RT تعرض ما وراء كواليس الدورة الأولى للمسابقة عام 1958
أثناء حكم نيكيتا خروشوف، وفيما اعتبر إحدى علامات فترة ذوبان الجليد عقب وفاة جوزيف ستالين في 1953، عقدت الدورة الأولى من مسابقة تشايكوفسكي الدولية للموسيقيين عام 1958.
يقول سيرغي خروشوف نجل الزعيم السوفيتي في كتابه “نيكيتا خروشوف – الإصلاحي” (الصادر عام 2010): “في 18 مارس عام 1958، افتتحت الدورة الأولى لمسابقة تشايكوفسكي الدولية للموسيقيين. لم يكن أحد يتخيل منذ خمس سنوات فقط، أن يكون حدث كهذا ممكناً. لم يكن أحد ليأتي إلينا. قمنا بدعوتهم، فأتوا، ولم يترتب شيء على ذلك. عفوا! بل حصل الأمريكي الأشقر ذو الشعر المجعد من ولاية تكساس، فان كلايبرن، على الجائزة الأولى في مسابقة البيانو”.
كانت المسابقة آنذاك تضم فرعين هما آلتا البيانو والكمان، ثم أضيفت لهما آلة التشيلو عام 1962، ثم الغناء الأوبرالي عام 1966. ترأس إدارة المسابقة في دورتها الأولى المؤلف السوفيتي الشهير دميتري شوستاكوفيتش 1906-1975، وترأس لجنة التحكيم وقتها عازف البيانو السوفيتي البارز، إيميل غيليلس 1916-1985، وكان من بين أعضاء لجنة التحكيم إلى جانبه ثلاثة من أعظم عازفي البيانو في القرن العشرين: مارغريت لونغ 1874-1966 (فرنسا)، وسفيتسلاف ريختر 1915-1997، وليف أبورين 1907-1974 (روسيا).
وصل إلى التصفية النهائية في الدورة الأولى لمسابقة تشايكوفسكي الدولية عازفا البيانو السوفيتي، ليف فلاسينكو، والأمريكي فان كلايبرن، وساد قلق في لجنة التحكيم بشأن عدم موضوعية الحكم على فان كلايبرن في ظل احتدام الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، وكان واضحاً وجود تيارين داخل لجنة التحكيم أحدهما تيار “حكومي/قومي” يسعى لتفضيل أحد المتسابقين السوفيت، وتيار “مستقل” يحاول أن يؤسس لتقاليد مسابقة دولية عريقة، بما يعنيه ذلك من لجنة تحكيم موضوعية، خارج إطار الحسابات السياسية. فحدثت في هذا السياق إحدى أشهر الفضائح الفنية في تاريخ الموسيقى الكلاسيكية، والتي اتضحت أبعادها فيما بعد، واعترف بها عضو لجنة التحكيم عازف البيانو، سفيتسلاف ريختر، حينما أعطى كافة المتسابقين صفراً من أصل 25 درجة باستثناء فان كلايبرن، الذي منحه 25 درجة من أصل 25 من فرط إعجابه به، ولرغبته في مساندة ذلك التيار “المستقل”، الأمر الذي دفع المسؤولين داخل لجنة التحكيم، وربما إدارة المسابقة في تعديل هذه الأصفار إلى رقم ثلاثة بعد ذلك، وهو ما ظهر جلياً في ورقة التصويت المحفوظة في أرشيف متحف جلينكا.
لم يكن الصراع آنذاك على مستوى لجنة التحكيم فحسب بل ساد التوتر أيضاً أروقة وزارة الثقافة السوفيتية لذات السبب، فكيف يفوز أمريكي بالجائزة الأولى لأول وأكبر مسابقة موسيقية دولية في الاتحاد السوفيتي، لذلك طرحت فكرة اقتسام الجائزة الأولى بين الأمريكي، فان كلايبرن والسوفيتي، ليف فلاسينكو. طرحها آنذاك ميخائيل سوسلوف، أحد قيادات الحزب الشيوعي، الذي اعتبر أن حصول أمريكي على الجائزة الأولى في المسابقة بمثابة “هزيمة أيديولوجية” للاتحاد السوفيتي، وحاول الوصول بشكل ودي إلى عضوي لجنة التحكيم من السوفيت، إيميل جيليلس، ودميتري كاباليفسكي، اللذين أكدا له أن محاولة التأثير على لجنة التحكيم الدولية سوف يكون بمثابة شهادة وفاة لمسابقة تشايكوفسكي، عضدت تلك الفكرة يكاتيرينا فورتسيفا عضو اللجنة المركزية المعيّنة حديثاً من قبل مؤتمر موسكو للحزب الشيوعي ومعها نائب وزير الثقافة سيرجي كافتانوف. حينها لجأ سوسلوف إلى خروشوف شخصيا، لكن فورتسيفا كانت قد سبقته، والتقيا في مكتب نيكيتا خروشوف ودار الحوار التالي:
سوسلوف: إن لجنة التحكيم تدفع باتجاه حصول الأمريكي على الجائزة ولكن…
قاطعته فورتسيفا: يرى كافتانوف، وهو محق في ذلك، أن محاولة الضغط على لجنة التحكيم، ستكون بمثابة كارثة على المسابقة، وسوف يعتذر الأعضاء الأجانب في اللجنة، ويرحلون عنا دون رجعة.
تابع سوسلوف: إنه أمريكي
فردت فورتسيفا: أمريكي، لكنه ينتمي لتقاليد المدرسة الروسية، فأستاذته في الولايات المتحدة الأمريكية هي روزينا ليفينا، وهي من فصل الأستاذ الروسي سافونوف في كونسيرفاتوار موسكو.
في تلك اللحظة تدخل خروشوف: إذا كانت اللجنة قد قررت ذلك فليس لنا أن نتدخل، هم محترفون. وماذا يحدث لو كان الفائز أمريكياً؟ على العكس، إن ذلك أمر جيد، فلنؤكد للعالم أننا محايدون.
وانتهى اللقاء عند هذه النقطة. وحصل عازف البيانو الأمريكي فان كلايبرن ذو الثلاثة والعشرين ربيعاً على الجائزة الأولى في ذلك العام، ووضعت بذلك المسابقة اسمها ضمن أكبر وأعرق المسابقات العالمية في مجال الموسيقى.
من الجدير بالذكر أن نيكيتا خروشوف حضر الحفل الختامي للمسابقة وبصحبته يليزافيتا ملكة بلجيكا التي أتت خصيصاً لحضور المسابقة، وعقب لقاء خروشوف بكلايبرن سأله خروشوف مداعباً ومتعجباً من طوله ونحافته: “ماذا يطعمونك في تكساس؟ خميرة؟”
فأجاب كلايبرن: بل كنت أتعاطى كثيرا من الفيتامينات
فضحك خروشوف وأجابه: أنا الآخر أتعاطى فيتامينات، ولكن دونما جدوى فيما يبدو.
المصدر: وكالات