“دور الإعلام الإلكتروني في ترسيخ وتطوير التعاون جنوب-جنوب”

بدعوة كريمة من الشركاء والمنظمين لفعاليات المنتدى الدولي للإعلام الإلكتروني المنعقد بالمركب السوسيو ثقافي بمدينة طاطا، شاركت بمداخلة موضوعها: ” دور الإعلام الإلكتروني في ترسيخ وتطوير التعاون جنوب-جنوب” وقد تفضل منظمو هذا اللقاء مشكورين، الذي التئم فيه عدد من الفعاليات الإعلامية العربية والإفريقية من 18 إلى 20 أبريل 2019، تنظيم حفل توقيع كتابي: ذاكرة هوية ووطن..” مذكرات من الداخلة ”

بسم الله الذي علم الإنسان ما لم يعلم وأطهر الصلوات على نبي الهدى والقيم معشر السيدات والسادة الأكارم الاماجد كل واحد باسمه وصفته سلام الله عليكم ورحمة منه تعالى وبركاته.

أود في مستهل هذه المداخلة أن أتوجه بخالص الشكر وصادق التقدير للمشرفين على تنظيم هذا الملتقى الدولي للإعلام الالكتروني على اتاحتي الفرصة لأدلو بدلوي في هذه الندوة التي لا يخفى على كريم علمكم ما تكتسيه من اهمية قصوى لطبيعة محاورها وراهنية القضايا والإشكالات التي ستقاربها.

وأشير بداية إلى أن اختياري لموضوع: “دور الاعلام في ترسيخ وتطوير التعاون جنوب جنوب”، مرده انتمائي لجهة الداخلة وادي الذهب التي تعتبر بوابة المغرب نحو عمقه الافريقي، فضلا عن اهتمامي بشؤون الجالية الافريقية المقيمة بها.

حضرات السيدات الفضليات والسادة الفضلاء: مما لا يرتقي إلى مدارجه قيد أنملة من الشك أن الفضاء الازرق للعالم الافتراضي المفتوح، في ظل الثورة التكنولوجية الرقمية العصرية، وطغيان الاختراق الاعلامي الذي غزى القلوب قبل البيوت لتيسيره عملية ولوجه كمنتج وكمستهلك، جعل الاعلام الالكتروني يتسم بمنافسة شرسة للأنماط الاعلامية التقليدية، وعلى وجه الخصوص الصحافة الورقية المكتوبة. غير أن هذا الواقع لا ينفي اهمية كل اشكال واصناف وسائل الاعلام في ترسيخ العلاقات جنوب-جنوب التي يتوجب أن تكون مرتكزة على المصالح المتبادلة وفق رؤية براغماتية مبنية على اسس مبدا رابح-رابح، وهي منهجية الانفتاح الديبلوماسي للمملكة المغربية على بلدان القارة السمراء، ايمانا عميقا و صادقا من عاهلنا المفدى أن منطق و لغة المصالح المشتركة و المتبادلة تكون اقوى من الشعار ات الجوفاء التي ما زالت تحن لزمن الحرب الباردة البائدة، والتي لم يعد لها و جود الافي الوهم و نوستالجيا عالم تبخر و قصور من رمال لم تصمد امام رياح التطور و التغيير بخطى سريعة.

وبحكم أن وسائل الاعلام، التي اصبحت اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، تؤسس لنوع من البيئة ذات الطابع الصوري بين الإنسان ومحيطه ذي الخصوصيات المادية الحقيقية فان حضورها ووقعها أصبح قدرا حتميا، وهو ما من شأنه، لا محالة، أن يعزز وظائف وأدوار وسائل الاعلام في التأثير وصناعة الرأي. وهنا تكمن اهميتها في تأثيرها القوي على تجسير الهوة في العلاقات بين شعوب قارة افريقيا، من جهة، وبين قادتها فيما بينهم، من جهة اخرى، من خلال اعلام هادف ومسؤول ومواطن يروم الحرص على النهوض والسمو بهذه العلاقات من اجل افريقيا تؤمن بطاقاتها من الرأسمال البشري، خاصة من فئة الشباب، فضلا عن مواردها الطبيعية الغنية.

سيداتي سادتي: غني عن الذكر والبيان، أن الاعلام، خاصة الالكتروني منه، يمتلك القدرة الخلاقة لنشر قيم التضامن والتعاون واشاعة روح التسامح والسلام ونبذ كل اشكال العنف والحقد والاقصاء والتطرف، عبر ترسيخ وعي مجتمعي متمدن وحضاري راق من خلال المنتوج الاعلامي الذي يقدمه. وحقا لكم هو مؤسف اليوم أن بعض وسائل الاعلام، لاسيما عبر بعض مواقع التواصل الاجتماعي التي تحرص بشكل ممنهج على تغذية ثقافة التطرف وخطاب الاقصاء ورفض الحوار واحترام الراي الاخر، مستغلة الحرية الفوضوية التي توفرها الثورة الرقمية بلا حسيب ولا رقيب، تساهم بوحشية في زرع الفتن وتوسيع وعاء مناطق التوتر في القارة السمراء. ويزيد الطين بلة فيها غياب الحس الاحترافي واخلاقيات المهنة لدى السواد الاعظم من القائمين على تدبير شؤونها الاعلامية.

إن هذا الواقع الجديد يتطلب من جميع المعنيين الاتصاف بالحيطة والتزام الحذر في زمن حروبه الاعلامية أشرس، وكما جاء في الرسالة الملكية السامية التي وجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، الى المشاركين في منتدى كرانس مونتانا حول موضوع: “بناء قارة إفريقية قوية وحديثة في خدمة شبابها “المنظم بالداخلة منتصف شهر مارس2019: “…يعرف عالم اليوم اضطرابات غير مسبوقة، من أبرز تجلياتها التحول الديمغرافي، والانتقال الايكولوجي، والثورة الرقمية، وأنماط التنقل. فعلينا التكيف مع هذا الواقع الجديد، والعمل على تطوير سياساتنا، لما فيه خير شعوبنا، ومن اجل مستقبل شبابنا”(انتهى المقتطف).

وختاما لا بد من رفع توصية مفادها ضرورة خلق تنشئة اعلامية عبر ادماج التربية الاعلامية ضمن المناهج والمقررات الدراسية، وإحداث هيئة إعلامية إفريقية عليا تعنى بنشر ثقافة إعلامية ووعي مجتمعي يكرس ثقافة التضامن الإفريقي لخدمة العلاقات جنوب-جنوب، دون إغفال دور المثقف والفاعل الجمعوي بجانب الفاعل السياسي في تحقيق هذا الحلم الإفريقي الجميل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.