بفعل تعثّر مشاريع تحلية المياه “العطش” يهدد العاصمة الاقتصادية

بالرغم من تقييد أنشطة العديد من الفئات المهنية بسبب النقص الحاد في منسوب المياه، إلا أن “شبح العطش” وندرته بات يخيم على مدينة الدار البيضاء، واضعا إياها أمام أزمة حقيقية، خاصة بعد تأخر مشاريع تحلية مياه البحر، التي باتت تهدد بقطع صبيب المياه عن العديد من المناطق أولها مناطق سطات وبرشيد.

 

وكانت سلطات البيضاء بأمر من والي جهة الدار البيضاء-سطات، محمد امهيدية، قد أصدرت قرار يقضي بتدبير المياه والحد من استنزافها، وترشيد استهلاك الماء الصالح للشرب بنفوذ عمالة العاصمة الاقتصادية، نظرا للخصاص المسجل الناجم عن توالي سنوات الجفاف. وقضى هذا القرار بمنع نشاط الحمامات، خلال أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء من كل أسبوع، ومنع استعمال الماء الصالح للشرب لغسل مختلف المركبات والعربات، إضافة إلى منع نشاطات أخرى.

 

 

 

 

 

وزير التجهيز والماء، نزار بركة، كان قد دق ناقوس الخطر في لقاءات حكومية سابقة، بخصوص الوضعية المقلقة لنقص الموارد المائية في المغرب. واضعا الدار البيضاء، سطات، برشيد، واليوسفية، ضمن قائمة المدن المهددة بإمكانية التوقف عن التزود بالمياه إذا استمر الوضع الحالي الذي يشهده سد المسيرة المائي نتيجة انحباس المطر ونقص الموارد المائية الذي سبب تراجعا مهولا.

 

مدينة سطات، واحدة من هذه المدن، التي لازالت تدق ناقوس الخطر، من أجل إيجاد حل لمشكل قطع المياه المتكرر، في الوقت الذي تحاول فيه الساكنة التنقل إلى المدن والبوادي المجاورة لملء “البراميل البلاستيكية” لتخزين المياه بمياه الآبار. إذ مازالت العديد من الأحياء تعاني من شبح العطش الذي خيم عليها منذ بداية فبراير الجاري، بسبب النقص الحاد للموارد المائية بكل من سد المسيرة وسد الدورات.

 

وقرر المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، بالتنسيق مع السلطات الإقليمية، ببرشيد، في مرات سابقة، خفض صبيب المياه خلال الفترة الليلية الممتدة من الساعة الحادية عشرة ليلا إلى حدود الساعة السادسة والنصف صباحا، إلى حين تحسن وضعية الموارد المائية.

 

و في هذا السياق، يرى عبد الصادق مرشيد، الناطق الرسمي باسم مجلس جماعة الدار البيضاء، أن مؤشرات أزمة المياه بالعاصمة الاقتصادية وصلت مستويات “مقلقة وحرجة”، مؤكدا أنه في حالة استمرار شح التساقطات المطرية بالمغرب، سيضطر مجلس المدينة، إلى اتخاذ حزمة من الإجراءات والتدابير الأخرى لمواجهة أزمة شح المياه.

 

وأشار مرشيد، إلى أن بعض المناطق ستكون معرضة لقطع صبيب المياه، بفعل تراجع الموارد المائية، وسط لامبالاة الساكنة البيضاوية بخطورة الوضعية، وهو ما يستدعي قيام سلطات الوصاية وشركة “ليديك” بالحملات التحسيسية من أجل التنبيه إلى تفاقم الأزمة.

 

وبخصوص عوامل استنزاف الفرشة المائية، خاصة منها الأعطاب على مستوى أنابيب نقل المياه، أشار المسؤول الجماعي، إلى أنه تيم التطرق إليها بشكل مستمر مع “ليديك”، لافتا إلى أن هذه الأخيرة تدرس مخططا لترميم أعطاب الأنابيب وقنوات المياه عبر الشوارع، التي حتم استنزافها ضرورة الإصلاح في أقرب وقت ممكن.

 

وفي السياق ذاته،  أثار تعثر مشاريع تحلية المياه بالمحطة الكبرى بالدار البيضاء،  جدلا واسعا، حيت اعتبر المصطفى العيسات، الخبير في مجال البيئة والتنمية المستدامة، أن الحكومة تأخرت في تنزيل أوراش واستراتيجيات السياسة المائية، وحذر من أن بوادر الأزمة المائية بدأت تظهر في المغرب وفي المدن الكبرى منذ سنوات، مشيرا إلى أن “ناقوس الخطر دق في المغرب في وقت متأخر.

 

ودعا الخبير نفسه، إلى التسريع  بانجاز مشاريع تحلية مياه البحر، لاقتصاد جزء كبير من المياه الصالحة للشرب، على طول الشريط الساحلي الذي يمكنه أن يزود الدار البيضاء ومدن أخرى، معتبرا أن هذه المشاريع تعد الحل الأمثل لتأمين المياه على المستوى الوطني.

 

وأضاف العيسات، أن تقنية الربط المائي بين الأحواض المائية، منها  ربط حوض سبو بحوض أبي رقراق، وأحواض أخرى تعرف وفرة على مستوى مياهها، سيسد الخصاص الداخلي الذي تعيشه المدن، في الوقت الذي كانت توجه فيه مياه هذه الأحواض نحو البحر.واعتبر الخبير البيئي أن مسألة قطع المياه بجهة الدار البيضاء-سطات “تشكل قرارا قاسيا على الساكنة، التي تعيش خصاصا على مستوى المياه نتيجة للنقص الذي بات تشهده بعض السدود”.

 

من جهة ثانية، حذر المهندس الزراعي، محمد بنعطا، من أن المغرب سار في مسار استنزاف الموارد الجوفية، الشئ الذي جعل حقيقنة السدود التي تزود العاصمة الاقتصادية “مستنزفة بشكل خطير”، مشددا  على أن “المخزون الاستراتيجي الذي تم استنزافه ينذر بدخول المغرب في مواجهة أزمة عطش وصفها بـ”الصعبة”.

وطالب المصطفى العيسات، الخبير في مجال البيئة والتنمية المستدامة،  بتكثيف إجراءات ترشيد المياه، خاصة في المجالات الصناعية وقطاعات الحمامات، في انتظار أن تعمم تجارب محطات المياه العادمة لتشمل مختلف مناطق المملكة.

 

وكانت رئيسة مجلس الدار البيضاء، نبيلة الرميلي، دقت ناقوس الخطر ، وكشفت أن الاستعمال اليومي لساكنة العاصمة الاقتصادية يتجاوز 524 ألف متر مكعب من المياه، الشيئ الذي يتطلب إعادة تدوير المياه واستعمالها في السقي بشكل يومي، والاستغناء عن المياه الصالحة للشرب.

 

وأشارت الرميلي خلال دورة فبراير العادية لسنة 2024،  إلى أن هذه الوضعية التي وصفتها بـ”المقلقة” و”الحرجة”، تفرض على المجلس ضرورة وضع استثمارات وتجهيزات جديدة من أجل مواكبة ترشيد استهلاك المياه بالدار البيضاء، والعمل على منع التبذير ومحاربة أشكال استنزاف المياه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.