خلال القرون طويلة من التعايش مع العرب، اعتمد السكان الأمازيغ أيضا العربية والدين الإسلامي، ومع ذلك لا يزالون قادرين على الحفاظ على ثقافتهم ولغتهم الأمازيغية التي بدأت الانتعاش في السنوات الأخيرة من خلال الأنشطة والمظاهر المختلفة، وأصبح المجتمع مدعواً إلى الاعتراف بهويتهم العرقية وثقافتهم ولغتهم المتميزة.
ولدى الأمازيغ الجزائريين اعتبارات ثقافية ووطنية وعالمية فيما يتعلق باختيار حروف أبجديتهم، ويمكن التمييز بين ثلاثة اتجاهات رئيسية في الكتابة وهي: الخط اللاتيني المرتبط بالتحديث والعالمية وسهولة الترجمة والرقمنة، وأبجدية تيفيناغ الأصلية ذات الأصل الفينيقي والمرتبطة بالهوية الثقافية القديمة، وأخيرا الخط العربي الذي يوافق المحيط العربي والثقافة والتاريخ الإسلامي.
لغة واحدة وثلاث أبجديات
يعتقد كثير من المؤرخين أن الأمازيغية كانت تكتب بحروف لاتينية عندما فتح العرب شمال أفريقيا، ويكاد تاريخ كتابة اللهجات السائدة للأمازيغية مثل اللهجة القبائلية (أكبر مجموعة لغوية للبربر/الأمازيغ بالجزائر) ينحصر في تاريخ تطور الهجاء اللاتيني المهيمن حاليًا، وكان ينظر إليها قبل القرن العشرين باعتبارها لغة غير مكتوبة، بحسب إيفا أسيلبرغ أستاذة الآداب بجامعة أمستردام.
لكن هذا التصنيف ربما ينطوي على تبسيط زائد، فثمة مجموعة كبيرة من النصوص القبائلية مكتوبة بالخطوط العربية، وإن كانت هامشية إلى حد ما، قد بدأت قبل القرن 19، وتستمر في بعض السياقات حتى الوقت الحاضر.
وفي المغرب، وجد استطلاع رأي أجراه موقع Hespress عام 2012، بخصوص الاختيار بين ثلاثة أحرف أبجدية بالنسبة للأمازيغ، وأظهرت النتائج تفضيل 47،93% النص العربي، و41.33% فضلوا تيفيناغ و5.8% فقط اختاروا الكتابة اللاتينية.
وكان الصراع على أشده بين الأمازيغ العلمانيين والإسلاميين، عندما جرى التصويت بين أعضاء المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالمغرب بعد بيان مدينة مكناس (وسط المملكة) الذي أصدرته جمعيات محسوبة على الجانب العلماني المنادي بتبني الحرف اللاتيني، وردت عليه الجمعيات المحسوبة على الجانب الآخر بضرورة تبني الحرف العربي.
وجرى حسم الجدل بعد أن أقرت السلطات المغربية حرف تفيناغ ليكون حلا وسطا بين النخب الأمازيغية المطالبة برسم الأمازيغية بالحرف العربي، كما كان الشأن في القرون الماضية، وتيارات الفرنكفونية المعادية للعربية التي تتمسك بكتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني.
وانتهى هذا النقاش بشأن اعتماد حرف تيفنياغ بمصادقة الملك محمد السادس عليه حرفا رسميا وحيدا لكتابة الأمازيغية بالمغرب، وذلك في العاشر من فبراير/شباط 2003، وأضيفت حروف تيفيناغ التقليدية لحروف متحركة وأصوات لم يكن لها ما يقابلها من الحروف، وأصبحت كذلك تكتب من اليسار لليمين.
وفي الجزائر، أدرجت الأمازيغية في الدستور عام 2002 بصفتها لغة وطنية إثر الاضطرابات التي اندلعت في أبريل/نيسان 2001 وأسفرت عن مقتل نحو مئة شخص في منطقة القبائل شرقي العاصمة الجزائر.
لكن الجدل لا يزال محتدماً في هذا البلد بخصوص الأبجدية المناسبة، فبينما ترجمت الكثير من أعمال السينما والآداب الأجنبية إلى الأمازيغية بحروف لاتينية -مثل أعمال شكسبير وجبران خليل جبران- يرى فيها مؤيدو أبجدية التفيناغ الحروف الأصلية رغم اعتراف الكثيرين منهم بأن قليلين للغاية من يستطيعون فهم الكتابة التيفيناغية.
وعلى الجانب الآخر، يظهر تيار يطالب بكتابة الأمازيغية بالعربية ويجد دعماً من تيارات إسلامية وعروبية وحتى من تيارات أمازيغية تريد أن تحتفظ بميراثها ومحيطها العربي كأولوية.
وكتبت العديد من المخطوطات الأمازيغية بالفقه والقضاء بالأحرف العربية، وعثر عليها في مكتبات أضرحة الأولياء والصالحين حيث كانت العلوم الإسلامية تدرّس، كما عثر على غيرها لدى مثقفين بالجزائر والمغرب مثل تلك التي عثر عليها في أفنيق (مكتبة) الشيخ الموهوب التي يقوم باحثون في جامعة بجاية بمنطقة القبائل الصغرى بترميمها.
ويعود الجدل بالجزائر لزمن الاستعمار، ففي عام 1830 استعمرت السلطات الفرنسية هذه البلاد شاسعة المساحة، ومارس الفرنسيون طريقة الفصل وسياسة “فرّق تسد” للسيطرة على الشعب الجزائري. وحرصوا على كسر وحدة الشعب من خلال التأكيد على اختلافهم.
وتم تصوير العرب على أنهم برابرة غير متحضرين، ولكن الاستعمار حرص على ترقية الأمازيغ بشكل إيجابي كأولئك الذين يمكنهم استيعاب الثقافة الغربية الحديثة بسهولة. ومن أجل تحديث الأمازيغ، درس الفرنسيون لغتهم وقدموا النص اللاتيني ليكون أبجدية اللغة. ورغم هذه السياسات الاستعمارية فقد عارض الأمازيغ والعرب الوجود الفرنسي في الجزائر بشكل حاسم.