المنتجة و المخرجة و الباحثة مريم آيت بلحسين : “المطلوب هو التربية على القيم بدل ثقافة الصالونات و الجري وراء الحضور في المهرجانات”

الجزء الأول : رحلة الولادة و الحضور و السمو بالإنسان و من خلال الإنسان إلى الإنسان

 تقرير محمد حميمداني و سمية مفكر

على هامش الملتقى الدولي الرابع عشر لسينما المرأة، المنظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، و في إطار مواكبة جريدة “أصوات” للمتألقات في فضاء الملتقى بشكل العام، و لتأكيد ثقافة الاعتراف و التميز المرتبطة بالملتقى، و ما يحيط به من فضاء فني و ثقافي يشع نورا يطل عبر أفق أبي رقراق، ليكسر حاجز الجمود و يسطع في فناء اسم سينمائي بامتياز ، أكاديمي بامتياز ، مناضل بامتياز ، تغذى من مدرسة “عبد الرحمان اليوسفي…” و تجربة “لاميج” و عشق حتى الثمالة المبدع الأب كما وصفته، عميد السينما المغربية المرحوم “نور الدين الصايل” ، ينبوع عطاء متقد فتح لنا صدره بالواقعية المطلوبة، و النقد العلمي الباني لقيم الجمال الروحي و الواقعي المنشود في عالم التفجير المادي و المعنوي مع سيادة المسخ و العهر في العديد من الإنتاجات السينمائية، إننا أمام صوت صدع بأن المطلوب هو التربية على القيم بدل ثقافة الصالونات و الجري وراء الحضور في المهرجانات من بوابة إنتاجات لا ترقى إلى الإبداع .

 

 

إنها الفنانة الأنيقة المتألقة المبدعة ابنة مراكش الحمراء و الطنجية و جامع الفنا، الدكتورة “مريم آيت بلحسين”، حاورناها و تتبعنا كل تفاصيل نبراتها فأقنعت، تحدثت عن واقع السينما المغربية، و عن حضور الرمز “نور الدين الصايل” ، في مسار تجربتها الإبداعية باعتباره الأب فنيا و المعلم الثاني توجيها .
 
وقفت حول وضعية الإنتاج السينمائي المغربي و ما يتخبط فيه نتيجة فائض القيمة المتعفن الذي يغزو السوق و أهمية تنظيم المجال الذي لعب فيه “نور الين الصايل” حتى سنة  2002 دورا هاما في مرحلة البناء التي لم تبدأ أسسها في الظهور للعيان إلا مع مطلع سنة 2004 و إلى غاية سنة 2013 ، و هو جوهر و محور كتابها “السينما في المغرب، الإنتاج السينمائي بالمغرب” الصادر باللغة الفرنسية.

 

كتاب عرضت فيه لكرونولجيا التطور السينمائي ، واقفة على دور المؤسسات في تطوير العمل السينمائي، معتبرة أن ربح الدولة من دعم القطاع لا يكمن فيما تجنيه أو تخسره ماديا ، و لكن الربح الحقيقي و الأسمى هو ربح الهوية و التكوين الإنساني و الحاجة الثقافية.
و تساءلت الفنانة المخرجة المؤلفة ، هل لدينا الإمكانات المؤسساتية للإجابة على واقع السينما المغربية ؟ سواء من ناحية المادة الخام المعدة لتتحول إلى عرض سينمائي ، أي نوعية الإنتاج المعد للعرض و المقدم للمتلقي؟ و كيف يمكن لهذا المتلقي أن يتفاعل معه؟

 

 

جازمة بأنه إن تحدثنا عن فشل فسنتحدث عن فشل وجود إنتاج سينمائي بالمقارنة مع مجموعة من الدول ، كفرنسا مثلا اعتبارا لقربها من المغرب ، ليس من الناحية الجغرافية، و لكن من الناحية الفكرية و الشكل الوسطي الذي تعتمده و القائم ما بين الاشتراكية و الرأسمالية، أي أخد العصا من الوسط ما بين النظامين.
الأكيد أن هناك تداخلا ما بين الموضوعي و الشخصي في هاته العملية نظرا لتكوين مبدعتنا و أستاذتنا، فضلا عن ارتباطها بالإنسان و بقضاياه الشاملة، و هو ما عكسته من خلال عمق معاناته و نبرات الدموع التي تتحول من بوابة الكاميرا إلى ريشة إبداعية تملأ القلوب نشوة و تقديرا و احتراما لكيان فاعل نابض بالحياة، ضمن سياق حضور شخصي عبر قوة الشخصية، و سمو الكينونة، و طيبوبة العشق، كل ذلك من خلال حضور وطني عميق مملوء بقيم المحبة و الدود عن كل مقومات هاته الكينونة ضمن هذا المجال الجغرافي المعطاء، من خلال رؤية فنية عميقة ، تحول النظرة النمطية السائدة إلى صناعة سينمائية تستجيب لحاجيات المجتمع، أي ربط الإنتاج السينمائي بالمجتمع.

 

و هو ما عكسته “مريم” و بصدق، حينما اعتبرت المخرجين و الممثلين أدوات للتعبير عن المجتمع من خلال توجهات معينة أو إمكانات كبيرة متوسطة صغيرة توظف للتعبير و الإجابة عن هاته الأساسيات المرتبطة بالواقع، و إكراهات الولادة على الرغم من الضيق المجتمعي و الطوق الأسري الذي حاول إعاقة المسار، لكن روح المقاومة و التحدي كانت الأقوى في تطوير مسار بناء الشخصية المميزة لآيت بلحسين، و التي لا تنفصل عن وضع المرأة العربية و المغربية ضمنها، و حضور بحثها الأكاديمي ضمن الوسط الإفريقي، و حضور “نور الدين الصايل” ضمن سياق المشروع حيث تقول “مريم” “لولاه لما مارست السينما الآن ، اقرإي أيميل زولا و كافكا ….. تابعي هذا الفيلم..” هذا الحضور الواعي و العملي مكن مبدعتنا من تكوين فلسفة في الحياة، و امتلاك ناصية نظرية مكنتها من حزم الأدوات المنطقية و الفلسفية لبناء كيان متكامل فاعل لا منفعل، و بلغة البساطة و الطبيعانية التي تتغدى منها قالت “كبر لي عقلي و روحي و هذه أكبر هدية يمكن أن تمنح”.
 
و ضمن هاته الرحلة تحضر “واغادوغو” و سؤال الهوية و الحضور الإفريقي الذي وسمه المغرب و “نور الدين الصايل” و اختراق الأدغال، كيف لا، و هو الذي كان دائما موضع سؤال و إشادة و ترحيب، لأنه عكس مادية الحضور و دبلوماسية واقعية متميزة فوق العادة عبر بوابة السينما و التلاقح السينمائي داخل إفريقيا و بإشارة بسيطة فقط، اعتمادا على الإمكانات التقنية المتوفرة و التي تعطيك ربحا ماديا هو الأهم، ألا و هو ربح الحضور الوطني داخل القارة السمراء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.