يعكس المخاض الذي يعرفه مشروع القانون الإطار للتربية والتكوين الذي أحيل إلى البرلمان المغربي، بشأن تدريس بعض المواد العلمية باللغات الأجنبية (الفرنسية أساسا)، حقيقة أن الأمر أكثر من مجرد نقاش فني حول أحد مداخل تحسين جودة العملية التعليمية، بل يستدعي أشباح صدام الهوية التي لا ترقد إلا لتنبعث من جديد.
يقدم المغرب إجمالا نموذج بلد تعتبر فيه التعددية الثقافية واللغوية أمرا مجتمعيا قائما. وقد استطاعت النخبة السياسية المغربية أن تصوغ مقاربات توافقية، متفاوتة النجاحات، لتدبير هذه التعددية في إطار مشروع الدولة الوطنية لما بعد الاستقلال.
وكرس دستور 2011 الذي وضع إثر حراك الربيع المغربي والعربي هذه التعددية، التي مكنت أساسا من ترسيم الأمازيغية لغة وطنية، لكن الاستقطاب العروبي الفرانكوفوني لم يلبث أن استعر في سياق توالي مشاريع إصلاح التعليم.
بدا سريعا أن التدافع حول المحور اللغوي في المدرسة المغربية لن ينحصر في مقاربات تقنية عملية، بل سيحشد الاصطفافات التقليدية حول طبيعة المشروع المجتمعي والثقافي للأمة المغربية، بين “الحداثيين” و”المحافظين” (مع نسبية هذا التقسيم)، وهو أمر طبيعي، على اعتبار أن اللغة بالنسبة للكثيرين أكبر من مجرد أداة تعلم، بل هي عمق ثقافي، ورؤية للعالم والحياة، وركن مكين للهوية الفردية والجماعية. هكذا سيشعل المشروع حرب المواقع والأفكار بين نخبة قومية إسلامية وأخرى فرنكوفونية علمانية.