إعداد د. مبارك أجروض
أصبحت الأجهزة والشاشات الرقمية جزء من الحياة اليومية لا يمكن تجنبه أو الابتعاد عنه، فلقد أصبح استخدام شاشات الأجهزة الإلكترونية في الوقت الحالي جزءً رئيسا من النشاط اليومي لمعظم البشر في مختلف أنحاء العالم، سواء أكانت شاشة الهاتف الذكي أو التلفاز (LED) أو الحاسوب المحمول أو الحاسوب اللوحي، ودائمًا نسمع من هنا وهناك تحذيرات من التحديق المستمر في هذه الشاشات ومن مخاطر “الضوء الأزرق” المنبعث منها، فهل هذا الضوء الأزرق ضار حقًا ؟ وهل يؤثر فعلًا على الإبصار مع التعرُّض المتواصل ؟
رغم المخاوف من أن التحديق في الأجهزة التي تشع كمًّا كبيرا من موجات الضوء الأزرق يمكن أن يؤذي قرنية العين، فقد خلصت دراسة حديثة إلى أن أغلب الأجهزة تصدر كمًّا أقل مما تصدره السماء الزرقاء في يوم صاف. لكن ما هي آثار الأضواء التي تنبعث من كل هذه الشاشات على أعيننا ؟ وخاصةً “الضوء الأزرق” الذي نسمع عنه ونرى خيار تقليله على شاشات الهواتف، ما هو هذا الضوء وما مدى خطورته على العين ؟
* ما هو الضوء الأزرق ؟
يتكون الضوء المرئي من سبع موجات مختلفة هي الأحمر والبرتقالي والأصفر والأخضر والأزرق والنيلي والبنفسجي، والتي تكوِّن مجتمعةً الضوء الأبيض الذي ترصده أعيننا. ولكل موجة من تلك الموجات طاقة مختلفة وطول موجي مختلف، وكلما زاد طول موجة الضوء كلما انخفضت طاقته. يمتلك الضوء الأزرق موجة قصيرة وبالتالي طاقة عالية، ولكي يبدو الضوء أبيض، يجب أن يحتوي على نسبة كبيرة من الضوء الأزرق.
يُستخدم الضوء الأزرق لإضاءة شاشات الأجهزة الإلكترونية، وخاصة المحمولة، لاستهلاكه لقدر أقل من الطاقة (الكهرباء) عن المصابيح المتوهجة التقليدية، ولأنه يجعل الشاشة شديدة السطوع مما يمكننا من رؤية الشاشة بسهولة نهارًا، وفي ضوء الشمس.
* مصادر الضوء الأزرق
لا يقتصر تعرضنا للضوء الأزرق على الشاشات فقط، فالشمس تعد أكبر مصدر للضوء الأزرق، ومن مصادر الضوء الأزرق أيضًا: لمبات (مصابيح) الفلورسنت (النيون)، واللمبات منخفضة الطاقة، والتي تُصدر الضوء الأزرق أكثر من اللمبات التقليدية.
تعد نسبة الضوء الأزرق المنبعثة من الشاشات ضئيلة مقارنةً بتلك المنبعثة من الشمس، لكن الشاشات تكون أقرب من العين، كما أن التحديق بها لا يقتصر على النهار فقط، لكنه يستمر طوال اليوم، وتشير بعض الدراسات إلى أن تأثير الضوء الأزرق على العين يختلف تبعًا للسن، فعيون الأطفال على سبيل المثال أكثر حساسية للضوء الأزرق من البالغين، لذلك فتأثير التحديق في الشاشات يكون على أعينهم أشد.
* فوائد الضوء الأزرق
على الرغم من التحذيرات الدائمة من آثار الضوء الأزرق الضارة، إلا أن التعرض للضوء الأزرق، وخاصة المنبعث من أشعة الشمس أثناء النهار له عدة فوائد، مثل:
ـ المساعدة على اليقظة والنشاط.
ـ تدعيم الذاكرة ويساعد على الانتباه.
ـ تحسين الحالة المزاجية.
ـ تنظيم الساعة البيولوجية للجسم (دورة النوم والاستيقاظ).
ـ تشير دراسة حديثة إلى أن عدم تعرض الأطفال لقدر كافٍ من الضوء الأزرق أثناء النهار يؤثر على نمو العينين وعلى قوة الإبصار، وقد يزيد من مخاطر الإصابة بقصر النظر.
* أضرار الضوء الأزرق
على الرغم من الاعتقاد السائد بأن التعرض المستمر للضوء الأزرق المنبعث من الشاشات يؤثر على العينين أو أنه قد يسبب التنكس البقعي للعين أو الإصابة بالعمى، إلا أن عدة دراسات حديثة توصلت إلى أن هذه الكمية من الضوء الأزرق غير كافية لإحداث ذلك الضرر، بل إنها أقل كثيرًا من تلك التي نتعرض لها يوميًا في الخارج، وأن الضوء الأزرق المنبعث من المصابيح الموفرة في المنزل ليلًا يبلغ حوالي ضعف ذلك المنبعث من شاشات الأجهزة الإلكترونية.
وتشير دراسة إلى أن عدم الراحة أو الألم الذي قد يصيب العينين بعد التحديق في الشاشة لفترة طويلة هو ما يعرف بإجهاد العين الرقمي، والذي يحدث لأن التحديق المستمر في الشاشة يؤدي إلى إغماض (رَمْش) العين عدد مرات أقل من المعتاد مما يسبب إرهاقها وجفافها.
ولذلك يُنصح بالحد من استخدام الأجهزة الإلكترونية قدر المستطاع وعدم التحديق فيها لساعات متواصلة، وأخذ فترات من الراحة، واستخدام قطرات ترطيب العين لتجنب الجفاف.
بالرغم من ذلك لم يُبَرِّئ الضوء الأزرق من الاتهامات تمامًا، فقد أشارت دراسات إلى أن التعرض للضوء الأزرق أثناء الليل يسبب اضطراب دورة الاستيقاظ والنوم الطبيعية للجسم، مما يؤدي إلى صعوبة النوم والإصابة بالأرق، والشعور بالتعب والإرهاق أثناء النهار، ولذلك يُنصح بعدم التحديق في أية شاشة قبل الخلود إلى النوم بحوالي ساعتين على الأقل، ويُنصح أيضًا بالحد من كمية الضوء الأزرق المنبعث من شاشات الأجهزة الإلكترونية أثناء الليل، وهي خاصية توفرها مؤخرًا بعض الأجهزة الإلكترونية.