التهاب الغدة الدرقية ما بعد الولادة

بقلم د: مبارك أجروض

 

يدل التهاب الغدّة الدرقيّة بعد الولادةThyroïdite post-partum  على الحالة التي تتمثل بحدوث التهاب في الغدة الدرقية خلال السنة الأولى من الولادة، وحقيقةً تُعدّ مشكلة التهاب الدرقية من المشاكل التي يصعب تمييزها بعد الولادة للاعتقاد بأنّ أعراضها مرتبطة بالتوتر الطبيعيّ الذي يتبع الولادة، ومن الأخبار السارة أنّ النساء المصابات بهذه المشكلة عادة ما تعود الدرقية لديهنّ لوضعها الطبيعيّ بعد مرور ما يُقارب 12-18 شهرًا على بدء ظهور الأعراض، مع التحفظ على الحالات التي تُعاني فيها بعض السيدات من مشاكل مدى الحياة، والجدير بالبيان أنّ النساء المصابات بالتهاب الدرقية بعد الولادة يمررن في العادة في مرحلتين؛ الأولى تُعرف بفرط نشاط الدرقية Hyperthyroïdie، أي ارتفاع مستوى هرمونات الدرقية عن الحد الطبيعيّ، الثانية تتمثل بقصور الدرقية Hypothyroïdie، وتُعرّف بأنّها انخفاض مستوى هرمونات الدرقية عن الحد المقبول، وإنّ ما يُفسر ذلك هو أنّه في بداية الإصابة بالالتهاب تُفرز الدرقية هرموناتها في الدم، فترتفع المستويات عن الحدّ الطبيعيّ فتظهر أعراض فرط نشاطها، ولكن مع مرور الوقت تتعطل الدرقية إثر الالتهاب الذي تعرضت له، فتُعاني السيدة من قصور الدرقية، مع العلم أنّ هناك بعض الحالات التي تُعاني فيها السيدات المصاب بالتهاب الدرقية التالي للولادة من فرط أو قصور الدرقية فقط دون المرور بالمرحلتين.

وتجدر الإشارة إلى أنّ مشكلة التهاب الدرقية بعد الولادة ليست من المشاكل النادرة؛ فبالاستناد إلى American Thyroid Association تبيّن أنّ 5-10% من مجموع النساء يُعانين من التهاب الدرقية بعد الولادة، وذلك في الولايات المتحدة الأمريكية. ولفهم مشكلة التهاب الدرقية بدقة أكبر يجدر العلم أنّ الغدّة الدرقيّة تُعدّ إحدى الغدد الصماء الموجودة في جسم الإنسان تحديداً في الجزء السفلي من الرقبة، وتشبه في شكلها شكل الفراشة، وتنتج هرمونات خاصة تساعد الجسم على القيام ببعض الوظائف كالمحافظة على درجة حرارة الجسم، حيث تفرز الغدة الدرقية هرموناتها في الدم الذي يُوزّعها بدوره إلى أنسجة الجسم المختلفة مثل القلب والدماغ، والعضلات فتساعدها على حرق الطاقة للاستفادة منها والقيام بعملها على أكمل وجه.

يعتبر التهاب الغدة الدرقية ما بعد الولادة حالة نادرة نسبيًا تصيب بعض النساء بعد الولادة. ويقدر أن 5% من النساء كما ذكرنا ذلك، قد يعانين من هذه الحالة في العام التالي للولادة. ويمكن أن يؤدي التهاب الغدة الدرقية بعد الولادة إلى فرط نشاط الغدة الدرقية وأحيانًا يليه قصور الغدة الدرقية،

* في حال فرط الدرقية، تتضمن العلامات ما يلي:

القلق، الهياج، سرعة ضربات القلب أو الخفقان، فقدان الوزن مجهول السبب، زيادة الإحساس بالحرارة، التعب، الارتجاف والأرق.

* ولاحقًا، بينما تصبح خلايا الغدة الدرقية ضعيفة، قد تتفاقم العلامات والأعراض البسيطة لتشبه أعراض قصور نشاط الغدة الدرقية:

ضعف الطاقة، زيادة الاحساس بالبرودة، الإمساك، جفاف البشرة، صعوبة التركيز وأوجاع وآلام.

* أسباب التهاب الغدة الدرقية ما بعد الولادة

لا يزال السبب الدقيق لالتهاب الغدة الدرقية ما بعد الولادة غير واضح. ومع ذلك، فإن النساء اللاتي تعانين منه غالبًا ما يكون لديهن تركيزات عالية من الأجسام المضادة للغدة الدرقية في مرحلة مبكرة من الحمل وبعد الولادة. ونتيجة لذلك، يُعتقد أن النساء اللاتي تصبن بالتهاب الغدة الدرقية ما بعد الولادة من المرجح أن يكون لديهن حالة كامنة مرتبطة بالمناعة الذاتية والتي تشتد بعد الولادة بسبب التقلبات في وظائف المناعة.

* قد تكون المرأة معرضة لزيادة خطر الإصابة بالتهاب الغدة الدرقية ما بعد الولادة إذا كانت تعاني من:

أحد اضطرابات المناعة الذاتية، مثل داء السكري من النوع الأول، تاريخ من التهاب الغدة الدرقية ما بعد الولادة، تركيزات عالية من الأجسام المضادة للغدة الدرقية، تاريخ من وجود مشكلات سابقة في الغدة الدرقية وتاريخ عائلي من الإصابة بمشكلات في الغدة الدرقية.

* تشخيص وعلاج التهاب الغدة الدرقية ما بعد الولادة

إذا كانت المرأة تعاني من علامات وأعراض التهاب الغدة الدرقية ما بعد الولادة، فسيقوم الطبيب بفحصها لمعرفة مدى كفاءة وظائف الغدة الدرقية، وسيقوم باستخدام اختبارات الدم التي تقيس مستوى الهرمون المحفز للغدة الدرقية (TSH) ومستوى هرمون الغدة الدرقية (T4)، وإذا كانت نتائج الاختبار غير طبيعية، فعلى الأرجح سيوصيها الطبيب بإجراء اختبارات أخرى في غضون أسبوع إلى أسبوعين. وسيقوم بفحص الغدة الدرقية سنويًا بعد ذلك لمعرفة ما إذا كانت المرأة مصابة بقصور الدرقية كمضاعفات ثانوية للالتهاب.

ومعظم النساء اللاتي يصبن بالتهاب الغدة الدرقية ما بعد الولادة لا يحتجن إلى تلقي العلاج خلال مرحلتي فرط الدرقية أو قصور الدرقية في حالتهن المرضية، ومع ذلك، سيقوم الطبيب بمراقبة مدى كفاءة وظائف الغدة الدرقية من خلال إجراء اختبارات الدم كل أربعة إلى ثمانية أسابيع، وإذا ظهرت عليكِ علامات وأعراض شديدة للإصابة بفرط الدرقية، سيوصي الطبيب باستخدام دواء يعمل على تثبيط تأثير هرمون الغدة الدرقية في الجسم (حاصرات بيتا). وعادة لا يوصى بتناول حاصرات بيتا للنساء اللاتي يرضعن أطفالهن رضاعة طبيعية، وقد يوصى بتناول دواء بروبرانولول (Propranolol) لأنه لا يكون مركزًا في لبن الأم مثل حاصرات بيتا الأخرى.

وإذا ظهرت على المرأة علامات وأعراض شديدة للإصابة بقصور الدرقية، فعلى الأرجح ستحتاج إلى علاج هرمون الغدة الدرقية لمدة ستة إلى 12 شهرًا. وينطوي هذا العلاج على الاستخدام اليومي لأدوية الليفوثيروكسين lévothyroxine (ليفوثرويد وسنثرويد Levothroid et Synthroid، وأدوية أخرى) التي توفر هرمون الغدة الدرقية الصناعي. وعند التوقف عن تناول الدواء، سيقوم الطبيب بمراقبة حالتها لمعرفة ما إذا كانت مصابة بقصور الدرقية. وقد تحتاج المرأة إلى إجراء اختبارات الدم بعد شهرين وثلاثة أشهر وستة أشهر وبعدها سنويًا في حالة كانت نتائج الاختبار لا تزال طبيعية.

وفي النهاية قد لا تكون المرأة قادرة على منع الإصابة بالتهاب الغدة الدرقية ما بعد الولادة، إلا أنه يمكنها اتخاذ خطوات لرعاية نفسها في الأشهر التالية للولادة. وإذا ظهرت عليها أي علامات أو أعراض غير طبيعية بعد الولادة، فعليها ألا تفترض أنها مرتبطة بالضغط النفسي نتيجة رعاية طفلها الرضيع، وعليها بالضرورة استشارة الطبيب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.