التجارة تختنق داخل سبتة المحتلة بعد القطيعة مع التهريب واعتماد التأشيرة في عملية العبور

تحقيق

الفنيدق-خولاني عبد القادر

 

شهدت مدينة الفنيدق مجموعة من الأحداث و الإجراءات التي جاءت نتاج لحالة الطوارئ الصحية التي فرضتها الجائحة و قرار إغلاق المعبر الحدودي للدخول إلى مدينة سبتة المحتلة شهر مارس 2021، لأسباب صحية وأخرى تتعلق بتدهور العلاقة بين المغرب و إسبانيا ، و الحرب في أكرانيا…،

وبفعل أن المغرب بلد مستورد للنفط و الغاز جعله يواجه ضغوطا و مخاطر متزايدة نتيجة لارتفاع فواتير الواردات لاسيما واردات الغداء و الطاقة، إضافة إلى الإنفاق المتزايدة من طرف الحكومة على دعم وحماية القدرة الشرائية للأسر المغربية لتحسين ظروفهم وإنصافهم للتخفيف من معاناتهم، أصبح معه الوضع التجاري مقلق وطنيا، وبالأحرى في مدينة الفنيدق بوابة أوروبا التي عاشت مخاض وظروف صعبة ووضعية غير مستقرة، بفعل وقف التهريب المعيشي في وجه الذين كانوا ينتعشون من هذه التجارة الممنوعة من داخل المنطقة ومن مدن مجاورة عديدة، زد على ذلك الحصار الذي أقرته الحكومة المغربية على المعابر الحدودية، جعل حوالي 9000 مواطن عاطل عن العمل، وركود فعلي للتجارة بالمنطقة وسبب كذلك في خسائر فادحة ومداخل هزيلة وزاد من انتشار الباعة المتجولين والفراشة وتفشي ظاهرة التسول، وبدأت تتعالى أصوات منادييه مطالبة ومنددة بالحالة التي تعيشها المنطقة بسبب إغلاق معبر العار المؤدي إلى مدينة سبتة المحتلة.

 

وبعد العديد من الوقفات الاحتجاجية ونقاش ومشاورات عديدة داخل الحكومة وعلى المستوى الجهوي و المحلي و الإقليمي، جاءت فكرة  إحداث منطقة حرة للأنشطة الاقتصادية والتجارية بالفنيدق، لمنافسة منطقة “تراخال” بباب سبتة ووقف التهريب ، خصصت فقط لساكنة المنطقة ممن كانوا يستفيدون تجاريا من التهريب بطريقة غير قانونية، فضلا عن إحداث منطقة ثانية للأنشطة الاقتصادية بين تطوان ومرتيل، بهدف النهوض بالحالة الاقتصادية لشمال المملكة بعدما ظل الوضع بالمدينة لسنين عديدة يعتمد في اقتصاده على سبتة المحتلة ، حيث كان يشتغل في هذه التجارة غير المشروعة قرابة 3 آلاف و600 عامل مغربي بشكل غير قانوني في مدينة سبتة، وكان التهريب المعيشي المتنفس الوحيد لسكان المنطقة، الذي تم تعويضه حاليا بمنطقة صناعية بالفنيدق “حيضرة” التي شيدت على مساحة 15 هكتارا، واستفادة منها تجار المنطقة على أساس استقبال وتوزيع البضائع المستوردة من مختلف بلدان العالم و بصيغة قانونية …

 

و الملاحظ أن عجلة التجارة توقفت بشكل شبه كلي مند القطيعة مع التهريب ، مما جعل المنطقة مرهونة حاليا بالسياحة الداخلية فقط على عكس السنوات الماضية ، حيث أن صيف 2022 شهدت المنطقة  رواج تجاري وانتعاش كبير لكل الخدمات الأخرى خاصة منها المقاهي والفنادق و المطاعم …، ليليه ركود تجاري مباشرة بعد العطلة الصيفية،  حيث عرفت أسعار تجارة الملابس خاصة منها الشتوية تراجعاً نسبياً خاصة في ظل تأخر نزول الأمطار، مما جعل عدد من المحلات التجارية التي كانت تعتمد في تجارتها على المواد المهربة من ملابس جاهزة و مواد غذائية متنوعة و غيرها ….، أغلقت أبوابها من جديد بسبب الحصار المضروب من طرف السلطات المغربية على إخراج السلع من سبتة، وهذا الإجراء أدى إلى زيادة الإقبال على السلع المنخفضة الثمن و تسبب في ظهور طوابير من المواطنين أمام المحلات التجارية وفي الشارع العام و انتشار الباعة المتجولين ، خاصة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية ، وتفشي ظاهرة التسول ، كما  تراجعت المبيعات أيضاً على سوق الذهب في ظل الارتفاع المستمر و المتزايد للكازويل ..

 

وإن خطوة اعتماد التأشيرة من طرف حكومة سبتة، جاءت في الواقع لتراهن على استقطاب المواطنين من باقي المدن المغربية سواء من أجل السياحة أو ممن يقتنون الملابس والمواد الغذائية ، من أجل تحقيق الانتعاش الاقتصادي بالمدينة المحتلة، لكنها اصطدمت بصرامة المغرب في هذا المجال …

 

مما جعل مدينة سبتة المحتلة تعيش مرة أخرى أزمة اقتصادية خانقة أكثر من مدينة الفنيدق ، وإذا ما استمرت الأمور على هذا المنحى فإن الركود سيبقى ملازما للفنيدق و سبتة  ، لكون هذه الأخيرة تحتاج إلى المستهلكين من المغربة و اليد العاملة التي هي متوفرة بمدن الجوار.

 

كما أن قطاع النقل خاصة سيارات الأجرة والحافلات يعاني هو الآخر من ركود قاتل بسبب غلاء الكازويل و وقف تدفق المغاربة المقيمة بالمهجر بعد انتهاء العطلة ، و كذا المواطنين الوافدين والعمال المغاربة الراغبين في زيارة الفنيدق من أجل التجارة أو شراء مستلزماتهم من المواد المستوردة … ، كما أن زيارة مدينة سبتة تسمح فقط لحاملي التأشيرة “لباصي فرونتيريسو”،  التي هي معتمدة في  عملية العبور، في حين العمال وحدهم المتوفرون على هذه بطاقة التي أصبحت الوسيلة الوحيدة التي تضمن لهم العمل القانوني داخل سبتة المحتلة، مع أنه ليس لهم الحق في الإقامة مما  جعل حوالي  3600 عامل و عاملة بعقود عمل قانونية بسبتة مهددين بالطرد و التشرد …

 

وللبحث عن مخرج يرضي الجميع، جاء قرار المشترك بين المغرب وإسبانيا بفتح مكاتب جمركية بمعبري سبتة ومليلية، ابتداءً من شهر يناير 2023، من أجل عبور منظم وتدريجي للأشخاص و للبضائع، أعاد من جديد ملف الحالة الاقتصادية مع المدينة المحتلة إلى الواجهة ، وذلك بعد مرور حوالي ثلاث سنوات من قرار المغرب إنهاء ظاهرة التهريب المعيشي بشكل نهائي، و هذا الإجراء السياسي طرح عدد من التساؤلات حول طبيعة هذه المكاتب الجمركية، وهل يتعلق الأمر بالتبادل التجاري الدولي، أم بتقنين عملية إخراج البضائع و السلع المستوردة من مدينة سبتة و مليلية  من طرف سكان الجوار …؟

 

وحسب منضور السلطات المغربية، أن فتح مكاتب للجمارك لا يعني عودة الأمور كما كانت عليه من قبل، ويروج بحدة أنه ربما ستكون هناك تسهيلات للتجار المغاربة، خاصة بالنسبة لساكنة مدينة الفنيدق وتطوان، من أجل إعادة إدماجهم في سوق الشغل عبر برامج اقتصادية واجتماعية متعددة، وبخصوص طريقة فتح الجمارك، سيكون إجراءً عاديا لدخول البضائع بشكل قانوني، كأي مكتب جمركي آخر على غرار ميناء طنجة المتوسط و الدار البيضاء ، على أن لن يعود تدفق التهريب المعيشي مجددا إلى المعبرين ، كما شرع  المغرب في سلسلة من المشاريع التنموية والتأهيلية لفائدة مجموعة من التجار وسكان المنطقة …

 

في حين يرى بعض المهنيين والمتتبعين للشأن العام بالمنطقة، أن فتح الجمارك بالمعابر البرية قرار في صالح المغرب وإسبانيا، مشيرين أن فرض التأشيرة بعد فتح الجمارك يعني استمرار نفس الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتسمة بالتدهور، خاصة في إقليم تطوان وعمالة المضيق الفنيدق، وسيؤدي ذلك إلى استمرار مآسي البطالة والهجرة السرية والإتجار في المخدرات و انتعاش الجريمة المنظمة …

 

و لهذا كله ، يتطلب ، من جهة ، إعفاء ساكنة المناطق الحدودية مع سبتة ومليلية من “الفيزا”، والسماح لهم بنقل السلع والبضائع بشكل قانوني بين مدينة سبتة و الفنيدق مع إعطائهم بعض الامتيازات ، وهو ما سينعش الاقتصاد المحلي على الجانبين، مع تحديد الكيفية و الإجراءات المرتبطة بهذا الفعل  وأنواع المنتوجات المسموح إدخالها للمغرب، والحد الأقصى من الأموال في كل عملية، وغيرها من التفاصيل، بما يحمي الاقتصاد الوطني من أي تداعيات سلبية ، خاصة أن  الجميع يترقب اتفاق البلدين على إعادة السماح بدخول المدينتين المحتلتين بدون تأشيرة، من أجل تحقيق رواج اقتصادي لصالح الجميع ، و أن فتح الجمارك لن يكون له أي معنى في حالة استمر فرض التأشيرة……

 

أما بخصوص المنطقة الاقتصادية الجديدة للفنيدق،  التي تعتبر البديل الاقتصادي لتجارة التهريب المعيشي بباب سبتة و التي بدأت باستقبال و إدماج المجموعة الأولى من التجار المهنيين المكونة من 53 تاجر ، في هذا الفضاء الاقتصادي ، الذي يتكون حاليا من 76 مستودعا مزودا بجميع الوسائل و التجهيزات الأساسية للاشتغال ، هذا المشروع الذي هو ثمرة شراكة تم اجرائها في فبراير 2022 ما بين وزارة الداخلية، ووزارة الاقتصاد و المالية ، ووزارة الصناعة و التجارة ، وولاية جهة طنجة تطوان الحسيمة ، و إدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة ، فإنها تعرف تأخر نسبيا في إخراجها إلى حيز الوجود ، كما أن  هناك تماطل في انطلاق فعلي لنشاط المقاولات الصغيرة و المتوسطة المحلية ، مما يؤخر خلق مناصب شغل قارة لفائدة شباب المنطقة و هذا التماطل أثر بشكل واضح على الوضعية الاقتصادية و الاجتماعية للساكنة و أدى إلى استمرار الركود الاقتصادي بالمنطقة ، في حين كان من المتوقع أن يعطي هذا المشروع دينامية كبيرة لاقتصاد المنطقة، حيث ينتظر أن يساهم في إحداث ما يناهز ألف منصب عمل قار و مباشر، و كذا تحسين الجاذبية السياحية الداخلية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.