أحمد الجبلي
قريبا من ذكرى التوقيع على وثيقة الاستقلال (11 يناير) التي جاءت نتاجا لمسيرة حافلة بالنضال من أجل الكرامة والحرية، تشاء الأقدار أن يتم تكريم مناضلين كبيرين هما المناضل صلاح الدين قلعي والمناضل محمد المرسلي في نفس الشهر، أي يوم 18 يناير من سنة 2019.
وهما مناضلا كبيران في نضالهما، كبيران في ثقافتهما، كبيران في وظيفتيهما، كبيران في حبهما لهذا الوطن وكبيران في إخلاصهما للشغيلة المغربية، من أجلهما وتكريما لهما أقيم هذا الحفل البهيج الذي امتزجت فيه الابتسامة والفرحة بالدمعة الحزينة أسفا وألما من أجل ما وصل إليه التردي النقابي في البلاد من جهة، وشعورا بوداع مناضلين كبيرين عرفا بصدقهما في حب الوطن والنضال من أجل الكرامة والحقوق والديموقراطية، كما عرفا بنهجهما الصارم في النضال وعدم مداهنة الانبطاح والظلام وأجهزة الإقصاء والتهميش والبيروقراطية.
لقد كان الحفل بحق عرسا نضاليا التقت فيه جميع الأطياف النقابية، فتوحدت كلمتها وشهادتها وقبلتها ولسان حالها يقول: كلنا ندعم النضال ونحيي المناضلين الصادقين الأشراف من أي طيف كانوا ولأي توجه إيديولوجي انتموا، إنه حفل مات فيه الإقصاء ومات فيه التناحر كما مات فيه الخلاف أما الاختلاف فيجب أن يبقى عندما يكون اختلاف تنوع وليس اختلاف تضاد.
أبى مناضلو النقابة الديموقراطية للجماعات الترابية بوجدة إلا أن يجعلوا من يوم 18 يناير 2019، يوما للوفاء والعهد والاعتراف بما قدمه الفقيد المناضل عز الدين شفيقي حيث سميت هذه الدورة باسمه تكريما له وترحما عليه ووفاء لما قدمه للعمل النقابي المغربي، ووفاء وتكريما للمناضلين الكبيرين صلاح الدين قلعي ومحمد المرسلي للعمل النقابي المحلي والجهوي والوطني من أثر ودروس مما يدل على أن العمل النقابي سيكون بخير، كما كان، عندما يكون له رجال صادقون ومناضلون شرسون لا يعطون دنية في الطريق ولا يحنون رؤوسهم في وجه القضايا العادلة والملفات المطلبية المشروعة في مواجهة مسلسل الإجهاز على الحقوق والحريات وكرامة الشغيلة بجميع مكوناتها ومهنها.
حيث لم يكن ممكنا أن تسمح النقابة الديموقراطية للجماعات المحلية لهؤلاء المناضلين المتقاعدين أن ينسحبوا في صمت دون أن يصنعوا لهم هذا العرس البهيج، وهذا الحفل الرائق، ويؤرخوا ليوم مفصلي في حياة العمل النقابي في هذه المدينة، فلم يكن من السهل أن تسير الأمور بشكل عادي وطبيعي كأن شيئا لم يقع، بل إن لهذا الحدث أكثر من دلالة وأكثر من معنى وله أكثر من بُعد، ذلك لأن تحول مناضلين كبيرين إلى المعاش تحول ليس بالأمر السهل لما يخلفه من أحزان وشجون وآلام في قلوب رفاق الدرب، وشرخ في جدار العمل النقابي المحلي والوطني.
فلم يكن من الممكن أن يترك هؤلاء المناضلون هذا اليوم يمر هكذا دون أن يعملوا على إدخاله في صفحات التاريخ، ليبقى شاهدا على مسار نضالي عريق، ومسيرة إدارية قل نضيرها، وعلى إنجازات تشهد عليها بصمات هؤلاء الأبطال الأشاوس الذين تشهد جميع المحطات النضالية بأنهم كانوا في المقدمة في جميع الأشكال النضالية، لقد كانوا وسط الحلقيات، وفي مقدمة المسيرات، وقد تجمدت أجسامهم في الاعتصامات دفاعا عن حقوق مشروعة وبذلك رسموا خطا نضاليا لا يحيد عنه سوى منبطح أو رجعي أو عميل لقوى الاستكبار في الإدارة أو المصنع أو الورشة.
إن الكلمات التي ألقيت في هذا الحفل المتميز، رغم أنها كانت كلمات متحشرجة ممزوجة بنوع من الانكسار أسى على فراق إخوة أعزاء، قد أزالت الشك باليقين ومحت أي زيف يمكن أن يعتري العمل النقابي المحلي ممن لا يعرف حقيقة ما قدمه هؤلاء الأشاوس المتقاعدون ككلمة المناضلين عبد العزيز خودري ومحمد الرحالي ونور الدين هريشي وسعيد سنين والمناضل الكبير السي بوبكري ونور الدين مكاوي ومصطفى الرابحي وغيرهم …إن جميع هذه الكلمات بمختلف تعبيراتها وأساليبها ومشاعرها قد تناسقت لتشكل لوحة فنية متناسقة وجميلة عن هؤلاء المناضلين في تفانيهم في عملهم، وتضحياتهم، وما بدلوه من غال ونفيس إسهاما مع باقي المناضلين في ترسيم منهج نقابي صادق وقوي يتميز بالصمود والشراسة وقول كلمة حق في محافل وتجمعات وحوارات قل من يصمد فيها ويجعل المبدأ والأصل يطغى عن التكتيك والحسابات الشخصانية الضيقة.
ومن أبرز الملاحظات التي حق لنا أن نقدمها في هذا العرس النضالي الكبير، أن عادة ما تكون حفلات التكريم حبلى بالمجاملات وحافلة بالتصنع ورفع الحرج ولو بقليل من الأصباغ عن أناس يكرمون رغم أنهم قد أجرموا في حق النضال أو الإدارة أو إخوانهم الإداريين أو المناضلين. ولكن اليوم ومن خلال تلكم الكلمات والشهادات أحسست أنني ولأول مرة أحضر تكريما حقيقيا وأن جميع الكلمات كانت صادقة وتعبر بما لا يدع مجالا للشك بأن هؤلاء يقع عليهم الإجماع ويشهد الجميع أنهم شرفوا العمل النقابي في هذه المدينة بل وكانوا مدرسة في النضال والعمل النقابي الجاد والمسؤول، كما عبر الجميع عن أسفه عما أصبح العمل النقابي يعرفه من تردي ونكوص، ولكن الكل كذلك يرجو أن يتوحد هذا العمل وتعمل جميع الأطياف على الاجتماع على ما يجمع النقابات والتخلي كلية عن كل ما يفرقها ويشتت شملها.
إن النقابة الديموقراطية للجماعات المحلية بهذه المدينة، اليوم، قد كرمت مناضلين كبيرين متقاعدين، لأن لهما في قلبها كل الإعجاب والتقدير، وبكل الاعتراف والعرفان بالخط النضالي الذي أرسوه، وهي بذلك تتطلع إلى إرساء تقليد نضالي حضاري قوامه الاحتفال بالمناضلين الصادقين كواجب لا مناص من تأديته، ونهجا لابد من مواصلته وترسيخه حتى تنبثق من ذلك دروس وعبر وتكوين لأجيال قادمة ومناضلين لازالو في أوج العطاء لعلهم يكونون خير خلف لخير سلف.