يجمع الكثير من النقاد والمؤرخين على أن بداية القرن العشرين هي المرحلة الأولى للفن التشكيلي السوري المعاصر، لما تحتويه هذه المرحلة من تغيرات سياسية واجتماعية صنعت تحولا في مسار الحياة التشكيلية السورية، وبرزت خلالها أسماء تبنت تأسيس هذه المرحلة أمثال توفيق طارق (1875-1940)، ومحمد حرب المعروف بأبو صبحي التيناوي (1888-1973).
أثناء فترة الانتداب الفرنسي على سوريا تأثر المجتمع السوري بالفن الأوروبي عموما، والفرنسي خصوصا، ومع بداية الأربعينيات أخذ الفنانون السوريون بالسفر إلى أوروبا، وتحديدا إلى فرنسا للدراسة، مقابل استقدام سوريا مدرسين فرنسيين لتعليم الفن في المدارس، حيث تعد تلك الفترة بداية للاتجاه الفني السوري نحو الانطباعية والتسجيلية التي كانت سائدة في أوروبا آنذاك.
وفي العام 1940 أسست أول رابطة تشكيلية أقامت معرضا جماعيا فنيا في كلية الحقوق، ثم تعددت الجمعيات التي تهتم بالفن التشكيلي بعد الاستقلال، وتجلى أول مظهر من مظاهر رعاية الدولة للحياة التشكيلية بإقامة أول معرض سنوي عام 1950 وزعت فيه جوائز لأفضل المشاركين وتحول بعدها لتقليد سنوي.
راجت المدرسة الانطباعية في سوريا مع بداية الخمسينيات، وظهرت محاولات عدة لخلق انطباعية سورية مستمدة من التراث السوري بهدف تشكيل بصمة الانطباعية السورية، وبالفعل حازت تلك المرحلة على عدد كبير من التجارب الفنية السورية، وحاول الفنانون السوريون مستلهمين تراثهم وثقافتهم المعاصرة وقدرتهم على التجديد والإبداع طرح نماذج عدة لأعمال فنية مستوحاة من الأصالة السورية، كان من أهمهم:
– عبد الوهاب أبو السعود (1897-1951) الذي اشتهر بلوحات الطبيعة الصامتة ولوحات زيتية بموضوعات مختلفة، منها “حوادث وبطولات التاريخ، طارق بن زياد وفتح الأندلس”.
– سعيد تحسين (1904-1985) المشهور بلوحته التي مثلت العدوان الفرنسي على المجلس النيابي السوري، إلى جانب بعض أعماله المعبرة عن بساطة حياة الشعب، والتي خولته الحصول على عضوية مجلس السلم العالمي.
– بالإضافة إلى الفنان غالب سالم (1912-1985)، والفنان ميشيل كرشة (1900-1973) الذي يعتبره البعض من أوائل الذين أحدثوا ثورة في الانطباعية السورية.
الواقعية والانطباعية وتطورها بالأسلوب السوري
مع بداية السبعينيات بدأت المدارس الفنية في سوريا تأخذ شكلها السوري، ولعل الاتجاهين الواقعي التسجيلي والانطباعي كانا من أهم ما عمل الفنان السوري على الإضافة إليهما، وشهدت تلك الفترة صعود فنانين سوريين باتجاهات مختلفة كان أبرزهم الفنان لؤي كيالي (1934–1978) الذي اشتهر بخطوطه التعبيرية الواضحة، وشخصياته البسيطة المائلة للتجريد.
استطاع كيالي أن يضيف إلى الخط الواقعي الفني مساحات من التعبير والتجريد تجلت في لوحاته التي عبرت عن الواقع السوري آنذاك، وعلى الرغم من حياته القصيرة استطاع بناء قاعدة تأسيسية للفن السوري المعاصر.
أما الفنان صبحي شعيب (1909-1974) فقد مال بلوحاته إلى الفن الواقعي التعبيري، وامتاز هذا الفنان ببراعته في استعمال اللون، ودراسة الملمس، ومتانة التكوين.
تعددت اتجاهات الفنانين السوريين وانتقالاتهم من الواقعية والانطباعية إلى الشكل التعبيري والتجريدي وحتى الكلاسيكي في بعض الأحيان كأعمال الفنان محمود جلال (1911–1975).
تأثر جلال بتيار الكلاسيكية المحدثة، وتصور معظم لوحاته الطبيعة والموديل العاري ومشاهد من الحياة السورية المحلية، وكان اتجاه فاتح المدرس (1922-1999) الذي تنقل بين التعبيرية والواقعية بمحاكاة بصرية شديدة التميز من أهم الاتجاهات الفنية السورية المعاصرة.