أمتعتنات القناة التلفزية فرانس 24، الذراع الإعلامي لوزارة الشؤون الخارجية الفرنسية، مرة أخرى بحوار مع مثقف مغربي زائف يخفي متابعته في ملف الحق العام وراء حجاب سميك من النشاط السياسي ولعب دور الضحية. وإذا كانت الحيلة تقليدية، فإن اختيار التوقيت ليس بريئا على الإطلاق، ويطرح علامات استفهام كثيرة.
المتحمسون على ضفتي البحر الأبيض المتوسط، وهم كثر، الذين كانوا يأملون في استئناف المسار الطبيعي للعلاقات الاستثنائية بين المغرب وفرنسا، سيتعين عليهم أن يخففوا من حماسهم. فبينما رأى البعض بداية ذوبان الجليد في الأزمة الدبلوماسية بين الرباط وباريس، بفضل الاتصالات الأخيرة على وجه الخصوص بين سلطات البلدين، تأتي قناة فرانس 24، التابعة مباشرة لوزارة الخارجية الفرنسية، لتعلن بأن كل شيء يتغير… حتى لا يتغير أي شيء.
فيوم الخميس 18 يناير 2024، أتحفتنا القناة الفرنسية، التي أصبحت الآن تحت إشراف الرئيس الجديد للدبلوماسية الفرنسية ستيفان سيجورني، الذي لا يخفي في السابق عداءه للمغرب، بمقابلة منحت كمنصة للمعطي منجب، « المعارض » المعتاد على الخرجات الإعلامية لإخفاء المصدر المشبوه لثروته. وفي المغرب، يتابع « المؤرخ » أمام القضاء في قضايا الحق العام، ويتعلق الأمر في هذه الحالة بالاختلاس. وفي فرنسا، كان يتم إخراجه من الأدراج في كل مرة لغرض وحيد هو مهاجمة المغرب ومؤسساته ونظامه الملكي. السجل واضح: حقوق الإنسان.
ما الجديد الذي تخبرنا إياه القناة الفرنسية؟ لا شيء على الإطلاق سوى نفس الاتهامات السريالية والسب الذي لا أساس له من الصحة. تدعي أن المغرب « دولة بوليسية »، حيث تتحكم المخابرات في بلد يغيب فيه الملك… كل ذلك على لسان فرنسي مغربي يقدم خدماته للقناة ويريد أن يكون حامل لواء القيم الديمقراطية وحرية التعبير… الخصوصية الوحيدة لهذه الخرجة تبقى، بطبيعة الحال، توقيتها، أي بعد أيام قليلة جدا من تعيين الرئيس إيمانويل ماكرون لحكومة جديدة علقت عليها آمال كثيرة فيما يتعلق بالعلاقات المغربية الفرنسية.
من خلال فرش السجادة الحمراء للمعطي منجب، المعروف بالمتابعات القضائية في حقه أكثر من أفكاره، فإن رسالة Quai d’Orsay (وزارة الخارجية الفرنسية)، والتي تتبع لها قناة فرانس 24، تطرح تساؤلات على جميع المستويات. ففي الوقت الذي تعمل العديد من القوى على طي صفحة التوتر في علاقات البلدين بشكل نهائي، نرى أن بعض الأصوات في فرنسا يعملون بكل ما أوتوا من قوة من أجل إبطاء هذه الدينامية.
من خلال توفير منصة لمعارض مزيف، ستيفان سيجورني، يريد فريقه ووسائل الإعلام التابعة له أن يذكرونا بأن الحملة التي دبرت ضد المغرب في البرلمان الأوروبي، والتي توجت بإصدار قرارين غير ملزمين لكن معاديين بشكل واضح للمغرب، بين يوم 19 يناير و16 فبراير 2023، لم تكن تكتيكا عاديا، بل يعكس سياسة دولة؟ وكان ستيفان سيجورني آنذاك فقط الأمين العام لحزب النهضة، وعضو البرلمان الأوروبي ورئيس مجموعة التجديد. كما كان أيضا المستشار السابق (ولا يزال مقربا جدا) من إيمانويل ماكرون.
عندما نعلم أن الدفء في العلاقات بين باريس والرباط لا يزال في مرحلة جنينية، يمكننا أن نتساءل بشكل مشروع عن الأهداف الخفية لحملة فرانس 24 العدائية ضد المملكة. هل هي محاولة لوأد أي ذوبان الجليد في العلاقات بين البلدين في المهد؟ لأن إطلاق العنان لمثقف مزيف، والذي يحمل فضلا عن ذلك الجنسية الفرنسية والذي لا يتردد في ترديد نفس الأسطوانات المشروخة من الشتائم عندما يتعلق الأمر بالمغرب، ليس بالتأكيد أفضل طريقة لبدء مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين.