واصلت العلاقات المغربية- السويسرية زخمها خلال سنة 2023، معززة الرصيد المتجدد من الإرادة السياسية المعبر عنها لدى الطرفين للدفع بها إلى مستوى أرقى من الشراكة على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وتعد سويسرا اليوم ضمن المستثمرين العشر الأوائل بالمملكة، بتواجد حوالي 60 شركة سويسرية تشغل أكثر من 8000 أجير في مختلف القطاعات، لاسيما في الصناعات الغذائية، الصيدلانية والتجهيزات الدقيقة، بينما يتموقع المغرب كثاني شريك إفريقي لهذا البلد الأوروبي.
ودشنت هذه العلاقات العام 2023 في إطار منتدى دافوس العالمي (16-20 يناير) الذي استقبل وفدا مغربيا قاده رئيس الحكومة، عزيز أخنوش وضم وزير الصناعة والتجارة، رياض مزور، ووزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، والوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية، محسن الجزولي، ومدير عام الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات، علي صديقي.
وجاءت الزيارة التي قام بها في يونيو الماضي للمغرب، المستشار الفدرالي وزير الخارجية إغناسيو كاسيس، لتكرس هذا التوجه المفتوح على المستقبل، حيث سجل وزيرا الخارجية في البلدين أنه منذ توقيع الإعلان المشترك سنة 2021، تم بالفعل تعزيز وتنويع العلاقات الثنائية وبات البلدان يجنيان “فوائد ملموسة من جهودنا المشتركة”.
وكشفت الزيارة تماثل وجهات النظر تجاه قضايا عديدة في منطقة الشرق الأوسط والقارة الأفريقية، لاسيما فيما يتعلق بالعملية السياسية في ليبيا، والتحديات القائمة في منطقة الساحل. أما بالنسبة لمسألة الوحدة الترابية للمملكة، فقد جددت سويسرا التأكيد على أهمية جهود المغرب الجادة وذات المصداقية، الرامية إلى إيجاد حل سياسي لقضية الصحراء المغربية على أساس التوافق، مشيدة “بشكل إيجابي” بمخطط الحكم الذاتي في عملية تسوية هذه القضية.
وتنعكس هذه الدينامية الجديدة على المستوى متعدد الأطراف، حيث يجسد الطرفان تعاونا ممتازا، لاسيما في إطار ولاية سويسرا بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (2023 /2024) وولاية المغرب بمجلس حقوق الإنسان (2023 /2025).
وفي قصر الأمم المتحدة بجنيف كما في مختلف محافل المؤسسات الدولية المتمركزة بهذه المدينة الدولية، واصل المغرب نشاطه الدبلوماسي المكثف الذي يجسد تجاوب المغرب مع مختلف الآليات الأممية وإيمانه بالمنفعة المشتركة لواجهات العمل متعدد الأطراف.
على صعيد آخر، يتميز البلدان بدينامية متميزة في محيطهما الإقليمي على صعيد الريادة البيئية والرهان على التنمية المستدامة. وفي هذا الصدد، حل المغرب ضيف شرف على النسخة الثالثة من منتدى الابتكار والمناخ الذي انعقد في 10 نونبر بمدينة مونترو السويسرية. وتم اختيار المملكة المغربية كضيف شرف لهذه التظاهرة المتميزة تقديرا لريادتها في مجال الطاقات المتجددة ومكافحة تغير المناخ.
وعرض الوفد المغربي الذي ضم ممثلين عن وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، والوكالة المغربية للطاقة المستدامة، ومعهد البحوث في الطاقة الشمسية والطاقات الجديدة، أبعاد التجربة المغربية الرائدة في مجال توظيف الطاقات المتجددة النظيفة.
ويواكب الحركية السياسية والاقتصادية إسهام متنام من قبل الجالية المغربية في النهوض بهذه العلاقات، خصوصا أنها تزخر بالعديد من الكفاءات في مختلف القطاعات ذات القيمة المضافة العالية. وتجسيدا للوعي بهذا الدور، تم تنصيب البروفيسور، اليزيد محسن، بمدينة لوزان، قنصلا فخريا للمملكة بولايات فو، جنيف، فالي وفريبورغ السويسرية.
وهو أحد الأخصائيين البارزين في مجال جراحة العظام والمفاصل في لوزان وسويسرا بشكل أعم، ويعد ناشطا في عدد من الهيئات الجمعوية الرامية إلى تعزيز العلاقات المغربية-السويسرية.
ويبدو قطاع البحث العلمي مرشحا ليكون قطبا نشطا للتعاون والشراكة في العلاقات المغربية السويسرية علما أن المغرب، ممثلا بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، فاز بميدالية ذهبية مع التنويه من لجنة التحكيم في فئة التكنولوجيا الحيوية، وميدالية فضية في فئة التكنولوجيا الرقمية في التدبير الفلاحي، خلال الدورة 48 لمعرض جنيف الدولي للاختراعات (26 – 30 أبريل).
وفي الرباط، تم الإعلان عن طلب مقترحات لتمويل مشاريع بحث تجمع المغرب وسويسرا، وذلك بمناسبة الأيام العلمية المشتركة.
وجاء الإعلان، بمبادرة المدرسة العليا المتخصصة بسويسرا الغربية ووزارة التعليم العالي، والبحث العلمي، والابتكار، إثر الإعلان الأول الذي تم إطلاقه في شتنبر 2022، والذي مكن من تمويل 10 مشاريع بحث مشتركة. وعلى إثر هذا النجاح، اتفق الجانبان على تحديد سقف تمويلي لهذه النسخة قدره 6 ملايين درهم.
وأشاد المستشار الفيدرالي السويسري ورئيس قطاع الاقتصاد، والتكوين، والبحث، غي بارملان، في كلمة بالمناسبة، بالتعاون العلمي الجيد بين المغرب وسويسرا، والذي يعتبر ثمرة سنوات عديدة من الجهود دؤوبة .
واندرج هذا اللقاء ضمن زيارة عمل قام بها وفد سويسري ضم مسؤولين كبار، ورجال أعمال، وعلماء إلى المغرب، وذلك بهدف الاطلاع على التقدم الذي أحرزه الاقتصاد المغربي والفرص الاقتصادية التي توفرها المملكة المغربية.
وفي المجال الثقافي، كرست السينما المغربية حيويتها الدولية بمشاركة المخرج علاء الدين الجم كعضو في لجنة تحكيم مهرجان “رؤى من الواقع” السينمائي الذي احتضنته مدينة نيون من 21 إلى 30 أبريل المقبل.
وكان علاء الدين الجم حاضرا كعضو لجنة تحكيم المسابقة الدولية للأفلام القصيرة والمتوسطة. وبالموازاة مع ذلك، تمت برمجة فيلمه “السيد المجهول” Le Miracle du Saint Inconnu، ضمن فقرة العروض الخاصة للمهرجان.
محطات متنوعة من التبادل السياسي والاقتصادي والثقافي بين المغرب وسويسرا طبعت العام 2023، في إشارة واضحة على عزم مشترك على تثمين الميزات النوعية التي يتفرد بها كل من الطرفين وإرساء دعامات شراكة متعددة الأبعاد.