باسم الفريق الحركي بمجلس النواب قام السيد البرلماني سعيد سرار بمداخلة حول القانون 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة وجاء في هذه المداخلة ما يالي:
يشرفني أن أتدخل باسم الفريق الحركي للإدلاء بوجهة نظرنا وموقفنا من مشروع القانون رقم 43.22 يتعلق بالعقوبات البديلة.
في البداية، نؤكد السيد الرئيس بأننا كفريق رحبنا بتقديم هذا المشروع إلى البرلمان، وانخرطنا في دراسته ومناقشته داخل لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان خلال الفترة الفاصلة بين الدورتين، وذلك للاعتبارات الآتية:
- الاعتبار الأول ذو بعد مرجعي، ويتعلق الأمر بالتوجيهات الملكية السامية، لاسيما تلك المضمنة في خطاب جلالة الملك محمد السادس بتاريخ 20 غشت 2009 بمناسبة الذكرى 56 لثورة الملك والشعب، حيث أكد حفظه الله على “تحديث المنظومة القانونية، ولاسيما ما يتعلق بمجال الأعمال والاستثمار وضمان شروط المحاكمة العادلة.” وتطوير الطرق القضائية البديلة، كالوساطة والتحكيم والصلح، والأخذ بالعقوبات البديلة وإعادة النظر في قضاء القرب.
في هذا الإطار، نسجل بأن الحكومة جاءت بمشروع قانون العقوبات البديلة، ولكنها مدعوة إلى تنزيل النطق الملكي الحكيم بشموليته، بما في ذلك تطوير الطرق القضائية البديلة كالوساطة والتحكيم والصلح وهو ما خلص إليه اللقاء الدراسي الذي نظمه فريقنا في بحر هذه السنة، وكذا إعادة النظر في قضاء القرب، الذي تقدمنا في شأنه بمقترح قانون لازال نزيل الرفوف إلى حد الآن.
- الاعتبار الثاني السيد الرئيس، يتمثل في كون العقوبات السالبة للحرية أصبحت غير قادرة على تحقيق الأهداف الإنسانية للسياسة الجنائية، ولاسيما إعادة تأهيل المحكوم عليهم في أفق إدماجهم في المجتمع، بل إن استمرار هذا التوجه الذي يعتمد الزجر بدل التأهيل، جعل السجون مكتظة، بالشكل الذي يتجاوز سعتها وقدرتها الاستيعابية، بدليل الإحصائيات المقدمة من قبل المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، حيث بلغ عدد النزيلات والنزلاء إلى متم شهر ماي من سنة 2023 ما مجموعه 98911، نسبة كبيرة منهم معتقلون احتياطيون أو محكومون بعقوبات حبسية قصيرة الأمد.
وفي هذا الصدد، اتجهت السياسات الجنائية الحديثة في الآونة الأخيرة إلى تبني سياسة عقابية بديلة للعقوبة الحبسية، بهدف الحد من الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية، وما يشكله من مخاطر على النزلاء وعلى المجتمع، حيث طورت جل دول العالم فكرة التدابير غير الاحتجازية أو البديلة، وقامت بإدراجها في منظومتها القانونية تماشيا مع المرجعيات الدولية لحقوق الإنسان والعديد من توصيات المؤتمرات الدولية والوطنية بهذا الخصوص.
وقد كشفت عدة تقارير دولية وتقارير لمؤسسات دستورية عن تصورها لإنهاء معضلة الاكتظاظ الذي تعاني منه المؤسسات السجنية، إذ أكدت بأن اعتماد العقوبات البديلة يعتبر حلا ناجعا لتقليص عدد النزلاء، وتجاوز مختلف المشاكل المرتبطة بالأعباء المالية المترتبة على زيادة عدد النزلاء بالسجون وبنياتها وصيانتها، والتي تحد من المجهودات والتدابير المتخذة من طرف الإدارة العقابية في تنفيذ برامج الادماج وإعادة التأهيل وترشيد كلفة الإيواء.
الاعتبار الثالث -السيد الرئيس- هو كون تنظيم العقوبات البديلة أضحى ضرورة تشريعية ملحة، لمسايرة التحولات العميقة التي تشهدها بلادنا على عدة أصعدة ومستويات، لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار، أن التحديات والرهانات والتطلعات التي تسعى إليها بلادنا في إطار نموذجها التنموي والديمقراطي، تستدعي تطوير وتأهيل السياسة الجنائية التي تعد من الدعائم الأساسية لإصلاح منظومة العدالة.
الاعتبار الرابع السيد الرئيس، يتمثل في كون التوجه نحو إقرار عقوبات بديلة ينسجم مع المطالب التي عبر عنها الفاعلون السياسيون والحقوقيون طيلة السنوات الماضية، ويعتبر نفسا جديدا لتطبيق فلسفة القانون التي لا تقتصر على الزجر والعقاب، وإنما أيضا على التأديب والتأهيل.
السيد الوزير المحترم
إن ضرورة توفر بلادنا على قانون خاص بالعقوبات كان دائما في صلب اهتمامنا في الفريق الحركي؛ وقد ساءلنا الحكومة بهذا الخصوص قبل الإقدام على هذه المبادرة التشريعية؛ لكننا اليوم نتساءل عن الأثر المرتقب، وهو مطلب ندعو إلى تعميمه على كل مشاريع القوانين، وفي هذا الإطار تقدمنا بمقترح قانون يقضي بتغيير وتتميم المواد 32،21،19 من القانون التنظيمي رقم 65.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها، باقتراح وجوب دراسة الأثر، بدل صيغة الإمكانية، والأكيد أن هذا المشروع الذي نتدارسه اليوم في حاجة إلى دراسة أثره على المدى القريب على الأقل، من خلال الإجابة عن سؤال مدى التأثير على نسبة الاكتظاظ، في غياب أحكام انتقالية بالنسبة للمعتقلين الحاليين، بعد رفض تعديلنا الذي يهدف إلى فتح المجال أمام الأشخاص المحكوم عليهم بعقوبة حبسية لا تتجاوز خمس سنوات قبل صدور هذا القانون لاستبدال ما تبقى من العقوبة الحبسية الأصلية بعقوبة بديلة أو أكثر.
كما تقدمنا بتعديلات أخرى الغاية منها مراعاة وضعية الأحداث والأشخاص الذين حصلوا على شهادات جامعية أو مهنية، من أجل تمتيعهم بالأولية في الاستفادة من العقوبات البديلة.
السيد الوزير المحترم
لقد أكدتم في معرض تقديمكم للمشروع بأن ارتفاع مؤشرات الجريمة وتنامي حالات العود واكتظاظ المؤسسات السجنية، هي نتيجة مباشرة لقصور السياسة العقابية المتبعة عن بلوغ الأهداف المسطرة المرتبطة باجتثاث منابع الجريمة وإصلاح المحكوم عليهم وإعادة تأهيلهم وإدماجهم داخل المجتمع. ونحن نقاسمكم هذا الرأي، ولكننا نعتبر بأن الاجتهاد في تحيين قانون العقوبات غير كافي، في ظل قصور السياسات العمومية عن اجتثاث العوامل المسهمة في ارتفاع الجرمية، كالفقر والبطالة والهجرة وغيرها.
على مستوى آخر، نؤكد لكم بأن شراء العقوبة، تحت مسمى الغرامة اليومية، الذي يتضمنه المشروع بعد إدخال تعديل عليه من طرف الأغلبية، يناقض هدف التقليص من الجريمة ويضرب مبدأ المساواة المكرس في الوثيقة الدستورية، بحيث أن من له المال سيكون خارج أسوار السجون، وفي المقابل ستبقى السجون مسكنا للفقراء فقط.
في الختام، نؤكد السيد الرئيس، بإن إسناد مهمة تتبع تنفيذ العقوبات البديلة للمؤسسات السجنية رهين بمعالجة الاكراهات المتعددة التي تعاني منها تلك المؤسسات، من قلة العنصر البشري ومحدوديته، الأمر الذي صرحت به المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج في عدة مناسبات.
وندعو في هذا السياق بوضع رهن إشارتهم الوسائل اللازمة للقيام بذلك، واشراك السلطات المحلية بهذه المهمة، وذلك من أجل أن يحقق هذا المشروع الغاية المنتظرة منه، وتفعيله على أرض الواقع بمنطق التوازن بين حقوق الانسان والمجتمع.
شكرا على حسن الاصغاء
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته