صوت العالم ميخائيل نعيمة

إن أقل ما تفرضه سن الرشد على الذين يبلغونها هو معرفة ما عليهم من واجبات وما لهم من حقوق تجاه أنفسهم وتجاه المجموع. ولو أن الإنسانية بلغت الرشد لعرفت هدفها وما يحتمه عليها من واجبات ويعطيها من حقوق، وإذ ذاك لانصرفت إليه بكل قواها، فكانت يدًا واحدة وإرادة واحدة. إلا أنها ما تزال دون سن الرشد بكثير، فشأنها مع نفسها ومع الأكوان من حولها شأن الأولاد الصغار يتقاتلون من أجل خرزة حمراء أو زرقاء، ومن أجل دوامة أو دمية، ومن أجل حركة أو كلمة، ثم يعودون فيتحالفون على هدم عش عصفور واقتسام الفراخ التي فيه، أو على سرقة عنقود من كرم جارهم.

لا فرق بين حروب عصابات من الأولاد وبين حروب عصابات من الأمم إلا في المدى، أما الذهنية التي تتولد منها تلك وهذه فواحدة، هي ذهنية المنافسات العرقية والدينية واللغوية والسياسية؛ ذهنية السلطة الجاهلة أن فوق كل سلطة سلطات؛ ذهنية المالك لا يفقه أنه مملوك ما يملك. هي ذهنية تتوهم خيرها في شر غيرها، وهناءها في شقاء سواها، وقوتها في ضعف جارها. ولا يخطر لها ببال أن شر جارها وشقاءه وضعفه هو شرها وشقاؤها وضعفها. وبالإجمال هي ذهنية الولد ما بلغ سن الرشد. فلا هدف له من وجوده غير إرضاء شهواته ونزعاته الفردية مهما تكن خسيسة وبعيدة عن شرف الرجولة وإباء المعرفة.

ما دامت الإنسانية دون سن الرشد دامت في غفلة عن هدفها الأسمى، تتنازعها غايات مبلبلة، مشوشة، كلما بلغت حد الفوران تأججت من جرائها نيران الحروب. ثم تهمد فترة من الزمن فيكون سلم. ولكنه سلم مدجج بالسلاح. وللسلم سلاح غير المدفع والدبابة والغواصة. هو سلاح النكايات والسعايات والحقد والحسد والنميمة والبغض. وما أفظعه وأشده فتكًا من سلاح! فكأن الناس مقضي عليهم بأن يمزقوا الغشاوات التي على عيونهم بأيديهم، وأن يشتروا المعرفة بالألم، وألا يبصروا نور الرشد إلا بعد التخبط الطويل في دياجر القصور، ولا عجب، فالفرخ لا يستطيع الخروج من بيضته إلا بكسرها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.