- 0 تعليق
على غرار شبكات الاتجار غير المشروع في المهاجرين والمخدرات، يعاني المغرب من وجود شبكة منظمة للاتجار غير المشروع في الرمال الساحلية، ما قد يؤدي إلى كارثة بيئية في حالة “انقراضها”، لاسيما في ظل التلوث الكبير الذي يهدد رمال ومياه السواحل والشواطئ المغربية، هذا ما حذرت منه ثلاثة تقارير أنجزتها الأمم المتحدة والصندوق الدولي للطبيعة ووكالة الأنباء الفرنسية.
هذه الكارثة البيئية التي تطبخ كما يقال على نار هادئة، يساهم فيها أعيان وبرلمانيون وعسكريون متقاعدون، باستخراج أو جرف أو اقتلاع كمية أكبر من تلك المنصوص عليها في الرخص التي يتوفرون عليها، على حد قول مصادر جمعوية. في المقابل، اكتفت الحكومة بالتوكيد على “وجود مخطط وطني قيد التفعيل لحماية السواحل”.
في هذا الصدد، دق تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، حول الاستغلال المفرط للرمال عبر العالم، ناقوس الخطر حول دور “مافيا الرمال” في اختفاء شواطئ مغربية، في سياق تزايد مشاريع البناء على السواحل. ويكشف التقرير الذي صدر في الشهر المنصرم، والذي أوردت وكالة الأنباء الفرنسية أهم تفاصيله، أن نصف حجم الرمال المستعملة كل سنة في البناء بالمغرب، أي ما يعادل 10 ملايين متر مكعب، يتم جلبها بشكل غير قانوني. وتابع التقرير الأممي أن الرمال هي المورد الطبيعي الأكثر استغلالا في العالم بعد المياه، وهي مكون أساسي لصناعة الخرسانة. ويتم جرفها من الوديان والشواطئ في مختلف أنحاء العالم، سواء بطريقة قانونية أو غير قانونية. ورغم أن قانون المملكة يعاقب بالحبس من عام إلى خمسة أعوام على استغلال الرمال بشكل غير قانوني، إلا أن نهب الشواطئ ما يزال مستمرا على طول السواحل المغربية الممتدة على 3500 كيلومتر، بما فيها سواحل الأقاليم الجنوبية، وفق تقرير الوكالة الفرنسية.
وإذا كان نصف حجم الرمال المستعملة كل سنة في البناء بالمغرب يستخرج بشكل غير قانوني، فإن السواد الأعظم من هذه المادة الحيوية للحفاظ على التوازن البيئي للمملكة، تستهلِكْه مشاريع البناء “المرتبطة بالمنشآت السياحية”، وفق التقرير الأممي. وهو الشيء الذي سيؤدي في المستقبل إلى استنزاف السواحل وتقلص مساحات الشواطئ، بل أكثر من ذلك، يحذر التقرير من أن الاستمرار في هذا النوع من المشاريع السياحية يمكن أن يؤدي إلى “تخريب أهم عامل جذب طبيعي للسياح، أي الشواطئ نفسها”. ويضرب التقرير المثل بنموذج شاطئ شاسع ما بين مدينتي آسفي والصويرة جنوبا، حولته “مافيا الرمال” إلى بساط صخري. فيما قالت وكالة الأنباء الفرنسية إن شاطئ مونيكا القريب من الدار البيضاء، بات عاريا إلا من كثيب رملي وحيد لم تطله بعد أيادي ما يعرف بـ”مافيا الرمال”، التي تنهب رمال السواحل المغربية بينما يشهد قطاع البناء نموا مطردا.
ويبقى الخطير في الأمر، أن نهب الرمال لا يقتصر على “المافيات” العاملة خارج القانون، بل يطال كذلك بعض “الأعيان أو البرلمانيين أو العسكريين المتقاعدين الذين يتوفرون على تراخيص قانونية لكنهم يتجاوزون الأحجام المسموح بها”، حسب جواد حاضي، الناشط في الجمعية الوطنية لحماية البيئة والسواحل؛ وهي مافيا جد منظمة لا تدفع أية ضرائب”، حسب مصدر مقاولتي في الرمال. ويتأسف جواد حاضي (33 سنة)، في حديث لـ AFPA على “اختفاء الكثبان الرملية من ساحل المحمدية”، المدينة المحاذية للدار البيضاء حيث يقع شاطئ مونيكا، وفي خلفية المشهد مبان سكنية مطلة على البحر.”
عدنان أفوس الناشط في الجمعية حذر، أيضا، من كون أنه “إذا استمرت الأمور على هذه الوتيرة، فلن تبقى سوى الصخور”. ويقصد ناهبو الرمال شاطئ مونيكا “تحت جنح الظلام ليلا، خصوصا خارج موسم الاصطياف”، بحسب سيدة تقيم في بيت فاخر قرب الشاطئ. وأردفت قائلة: “لكن عددهم تضاءل مع تزايد عدد السكان في المنطقة، وفي كل الأحوال لم يبق لهم الكثير لينهبوه هنا”.
ونقل التقرير، كذلك، عن ناشط في جمعية بيئية، أن “الرمال تكاد تختفي بالكامل من بعض شواطئ الشمال”، مسجلا “وجود ضغط كبير على شواطئ طنجة جراء تكاثر المشاريع العقارية”. غير أن جواد حاضي يميز بين “عمليات النهب الصغيرة كما في المحمدية، والتهريب الكثيف الذي يتم عبر شبكات منظمة تستفيد من تواطؤ بعض المسؤولين”.
في حين اعترف مدير مقاولة متخصصة في جرف الرمال، رافضا الكشف عن اسمه، أن هناك “مافيا جد منظمة لا تدفع أية ضرائب”، منبها إلى أنها تبيع رملا “لا يخضع للمعالجة والتصفية من الملح”، ولا يطابق بذلك المعايير الضرورية في مواد البناء. وشرح قائلا: “تستفيد عناصر هذه المافيا من الحماية على كل المستويات، لا يدفعون شيئا وكل تعاملاتهم تجري نقدا دون أي أثر. يتم تبييض الكثير من الأموال في هذه التجارة غير القانونية”. وتختلف وسائل نقل الرمال المنهوبة باختلاف مستوى النهب، بين من ينقلها على ظهور الحمير أو الدراجات ثلاثية العجلات أو الشاحنات.
ورغم أن السلطات المغربية تضع حماية البيئة من بين أولوياتها، إلا أن أنصار البيئة، على قلتهم، يضعون أيديهم على قلوبهم بسبب الاستنزاف الكبير للرمال الساحلية. لمواجهة هذه الكارثة البيئية، كشفت نزهة الوافي، كاتبة الدولة المكلفة بالتنمية المستدامة لوكالة، لـ”فرانس برس”، عن “وجود مخطط وطني لحماية السواحل قيد التفعيل”. كما وعدت بتبني “آليات تقييم، مع برامج حماية وتثمين الموارد”.