تعتبر مخازن “إيكودار”، من أقدم النظم المصرفية في العالم، وهي عبارة عن مخازن جماعية تتميز بها قرى منطقة سوس والأطلس الصغير جنوبي المغرب، إذ كانت تستخدمها القبائل في تخزين الحبوب وحفظ المقتنيات الثمينة بكل أنواعها.
وبحسب العارفين بالتراث المغربي، فإن “إيكودار” هي كلمة أمازيغية، وهي بصيغة الجمع، مفردها “أكادير”، وتعني لُغوياً المَخزن المشترك، وهي عبارة عن منشآت جماعية قديمة عالية الأسوار وذات أبراج، تُبنى فوق قمم الجبال، ويعود تاريخ بناء معظمها إلى أزيد من عشرة قرون. تشبه هذه المخازن في تصميماتها القلاعَ الحصينة، ويتم حراستها وتأمينها بطريقة تَنمّ عن ذكاء معماري كبير.
“أقدم نظام بنكي”
يقول خالد العيوض، وهو أستاذ باحث وخبير في التراث، “إن مدينة أكادير المغربية تأخذ اسمها من المعلمة التاريخية الكبيرة “إيكودار”، التي لا يعرف أحد متى تم تشييدها لأول مرة، لكنها قديمة قدم استقرار الأمازيغ بشمال إفريقيا، بحيث نجد أن بعض المخازن محفورة في الجبال بنواحي أزيلال وتاليوين، ثم تطورت إلى أشكال أخرى يمكن حصر عددها في حوالي 500 مخزن معظمها بجهة سوس ماسة.
وأفاد الخبير، في حديث مع “سكاي نيوز عربية”، بأنها “تعتبر أول نظام بنكي في العالم، نظرا لوجود تشابه كبير بينها وبين البنوك من حيث طريقة تدبير المخازن الجماعية، مؤكدا أن طريقة تخزين الأشياء الثمينة داخل هذه المؤسسة، ونظام الحراسة والتداول وكذا التشريعات التي صاحبت نشأتها، تجعلنا نضعها في مقدمة الأنظمة البنكية التي رأت النور قبل بنوك أوروبا، التي لم تظهر إلا في العصر الوسيط في أولى تجلياتها”.
وأبرز المتحدث أن “إيكودار منتشرة في عدد من الدول المغاربية، كالجزائر وتونس، لكن معظم ما تبقى منها متركز في المغرب”.
وتابع أن “تصميمها بالغ الدقة وهندستها جميلة جدا ومنتظمة، وفي الغالب هي عبارة عن بنايات ضخمة تحيط بها أبراج للمراقبة، وتملك كل أسرة من القبيلة مخزنا تضع فيه أشياءها الثمينة، من ضمنها الشعير والحلي والوثائق الهامة كعقود البيع والشراء وحتى الزواج“.
تدبير مُحكم
عن طريقة تدبيرها، يقول خالد العيوض: “تُعهَد إلى الأمين أو البواب الذي ينظم الدخول والخروج من هذه المخازن، في حين تملك كل أسرة مفتاحا خاصا بمخزنها. ويدير شؤون “إيكودار”، مجلس كان يسمى “إنفلاس” هو مجلس القبيلة الأمازيغية، ينتخب بشكل ديمقراطي وتناوبي، وتوكل له مهمة تنظيم وتسيير شؤون القبيلة والحسم في الخلافات”.
الخبير في التراث الأمازيغي أورد ضمن حديثه أن “المكان أصبح يحفل بزيارات متعددة لزوار مغاربة وأجانب، يأتون من كل بقاع العالم لاكتشاف هذا التراث المغربي الأصيل”. ويتذكر أن الشاعر أدونيس، زار المنطقة وعبر عن انبهاره بـ”إكودار”، وأنه وقع على أحد الدفاتر خلال زيارته، معلقاً “عمارة من طين وحجر، لكنها مليئة بالشعر”، معبرا عن إعجابه الكبير بما تزخر به المنطقة من مزارات باهرة.
سياق تاريخي
من جهته، قال مصطفى مروان، باحث في التراث الثقافي الأمازيغي، إن النزعة نحو بناء “إيكودار” تجد تفسيرها في التاريخ وفي الظروف التي ولّدته، وهي “حاجة القبائل وبحثها الدائم عن الشعور بالأمان والديمومة، إزاء ما تملكه سواء تعلق الأمر بأفراد ذاتيين أو أسر أو قبيلة ككل. هذه الرغبة كانت دائما تصطدم بفترات الجفاف، وبالتالي الحاجة إلى تدبير الندرة أو ما يمكن أن نسميه “اقتصاد الندرة”، أو تواجه أحياناً غارات وحروباً”.
وأضاف: “فكان لزاماً عليها التفكير في إيجاد مكان آمن محصن يصعب الولوج إليه، لتُشيد فيه مخازن جماعية يطلق عليها إيكودار وتعني الحصن بمناطق سوس و”إغرم”، بمناطق الأطلس الكبير والمتوسط، كمؤسسات جماعية تشاركية أو ما قد نصطلح عليه مؤسسة بنكية جماعية تنتمي لجماعة القبيلة أو القبائل المؤسسة لها أو المنظمة لها بموجب اتفاق، لتخزين الحبوب والمحاصيل الزراعية والمواد الغذائية المجففة، كذلك الحلي والمال وكل أنواع الرسوم والعقود، وكل الأشياء الثمينة أو النادرة”.
مساعي لتثمين “إيكودار”
تسعى السلطات المغربية إلى تثمين “إيكودار” باعتباره تراثا أصيلا تصدح جدرانه بعبق التاريخ. وقد جرى بأكادير خلال السنة الماضية، توقيع اتفاقية شراكة بين عدة متدخلين، أبرزهم وزارة الثقافة، من أجل إحداث مركز للتعريف بتراث المخازن الجماعية “إيكودار” بإقليم اشتوكة آيت باها، في إطار برنامج يهدف إلى الحفاظ على هذا التراث كمنظومة متكاملة فريدة من نوعها، تشمل المعالم المعمارية والقيم الثقافية والمهارات الفردية والجماعية المرتبطة بإدارة وتدبير هذه المخازن وتنظيمها وضمان استمرارها.
وترمي الاتفاقية إلى “تثمين تراث معالم المخازن الجماعية من خلال إحداث مركز للتعريف بهذا الإرث الوطني ذي الخصوصية المغربية والإبداع الإنساني”، في حين أن التكلفة الإجمالية لهذا المشروع تبلغ ستة ملايين درهم.
كما يهدف المغرب إلى الحصول على تصنيف إكودار والمشهد العام لبلاد إيكودار ضمن قائمة التراث الوطني ولائحة اليونسكو للتراث الإنساني لما يمكنه ذلك من الحماية القانونية والبعد الإنساني العالمي.