من أحياء غزة إلى باحات الأقصى: حقائق وأوهام

لم تنقض إلا ساعات قليلة على بدء وقف إطلاق النار بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وحركة «الجهاد الإسلامي» حتى تنصل مسؤول إسرائيلي رفيع من أحد أبرز بنوده، فنفى ما تردد من تعهد إسرائيلي بإحالة الناشط الفلسطيني خليل عواودة إلى المستشفى وإطلاق سراح القيادي الإسلامي بسام السعدي، مكتفياً بالقول إن المصريين طلبوا ذلك، ولا مانع من الحوار حول وضع السجناء.
وفي الأصل لم يكن منصفاً لعشرات الشهداء ضحايا العدوان الإسرائيلي الأخير، ولا لمئات الثكالى من أطفالها وتضحيات الآلاف من أبناء قطاع غزة، أن يُختزل وقف إطلاق النار إلى عناوين مثل الإفراج عن هذا أو علاج ذاك من نشطاء الحركة، على ما يرتديه ذلك من أهمية إنسانية ورمزية. فالجوهر من جانب آخر يكمن في حقيقة أولى كبرى تقول إن العدوان على القطاع واستمرار حصاره والتنكيل بسكانه الشيوخ والنساء والأطفال قبل النشطاء والمقاومين هو سياسة إسرائيلية ثابتة، وليست العملية الأخيرة سوى استمرار لعدوان أيار/ مايو الماضي، وكذلك متابعة عملية «الحزام الأسود» مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 إذا كانت الغاية المباشرة هي استهداف «الجهاد الإسلامي».
جوهرية أيضاً تلك الحقيقة الثانية التي تشير إلى أن دولة الاحتلال اضطرت إلى قبول وقف إطلاق النار ليس لأنها أنجزت أهداف العملية المرتجاة كما قيل، بل لأن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية نصحت بهذا وشددت عليه خشية عواقب ليست في صالح المخططات الإسرائيلية. وإذا صح أن صمت «حماس» وامتناعها عن المشاركة في الرد على العدوان كان بمثابة نتيجة لا يُستهان بها في حسابات دولة الاحتلال، فإن أصداء صمود غزة الشعبي والمقاوم ترددت في حيفا ويافا أسوة بجنين ورام الله، ففشل العدوان في ما تطلع إليه من كسر «وحدة الساحات» الفلسطينية التي تبدت على نحو ساطع خلال معركة «سيف القدس» قبل ثلاثة أشهر فقط.
وفي القدس وباحات المسجد الأقصى على وجه التحديد تتجلى حقيقة ثالثة حول البعد العنصري لدولة الاحتلال واستهتارها بالمقدسات الدينية والمشاعر الروحية لمليارات المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، سواء عن طريق الاحتفاء بدماء الأبرياء التي تُراق في غزة، أو أداء طقوس وشعائر لا يدعمها أي سند تاريخي لجهة خراب الهيكل على أيّ متر من مساحة الأقصى، أو أن القدس الشريف الراهنة هي ذاتها أورشليم كما تصورها التوراة. وليس سماح حكومة الاحتلال باقتحام الأقصى سوى دليل إضافي راهن على أن أمثال مناحيم بيغن وإسحق شامير وبنيامين نتنياهو غابوا عن حكومات الاحتلال جسداً فقط، ومكثوا منهجاً وخيارات وسياسات.
هذه محض حقائق ثلاث تدحض أوهام العدوان، ولقد توفر صوت إسرائيلي واحد عاقل جاء في افتتاحية صحيفة «هآرتس»، التي نصحت لبيد رئيس الحكومة أن يعتنق خطة أيلول/ سبتمبر 2021 التي أعلنها لبيد نفسه حين كان وزير الخارجية تحت عنوان «الاقتصاد مقابل الأمن»، وفي هذا الإقرار دليل على فشل العملية الإسرائيلية الأخيرة أو على الأقل عدم انتهائها إلى ما يستوجب سعار غلاة المستوطنين في باحات الأقصى.

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.