اعتاد الفلسطينيون في 15 مايو/أيار من كل عام على إحياء ذكرى ضياع وطنهم وقيام إسرائيل على إنقاضه. وكانت الأنشطة التي يجري تنظيمها في الضفة الغربية وغزة وأراضي 48، وفي أماكن انتشار اللاجئين، تركز على إنعاش الذاكرة، وتنوير الجيل الجديد بأحداث النكبة ومعانيها.
غير أن الذكرى السبعين حملت إيقاعا مختلفا للحدث لأول مرة، فمع حلول الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض مطلع العام 2017، ظهر ما يشي بأن ما ينتظر الفلسطينيين ليس حلا على الطريقة التي أتى بها اتفاق أوسلو عام 1993، بل صفقة يجري إعدادها بالخفاء مع السعودية، دون معرفة الفلسطينيين وعلى حسابهم على الأرجح.
وظهرت معالم الصفقة في 6 ديسمبر/كانون الأول، مع إجازته نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وتخليه عمليا عما عرف بحل الدولتين، وسط امتناع مصر والسعودية المشتبه بتورطهما بالقضية عن التحرك. وتواصل سيل الأنباء الغامضة عما عرف إعلاميا بصفقة القرن على ألسنة جاريد كوشنر وجيسون غرينبلاتمستشاري ترمب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وأكمل الأخير الصورة بكشفه عن ملامح سياسة سعودية جديدة وغير مسبوقة تجاه إسرائيل.
منذ 6 ديسمبر/كانون الأول، نزل الفلسطينيون إلى الشوارع في القدس والضفة وغزة ومناطق أخرى، تعبيرا عن رفضهم لصفقة القرن. وبحلول ذكرى يوم الأرض في 30 مارس/آذار، قرروا تجديد كفاحهم السلمي، وإصرارهم على تثبيت حق العودة على جدول أعمال الدول الإقليمية والدولي. ووضعوا ذلك بإطار الرد على مساعي الولايات المتحدة الأميركية لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، عبر إفقار (وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين-أونروا)، ودفعها إلى الإفلاس.
في هذه الأثناء، دفع أكثر من 40 فلسطينيا أرواحهم ثمنا لتثبيت هذا الحق عبر مسيرات العودة على الحدود بين قطاع غزة وفلسطين. وتزامن ذلك مع إحياء نظرائهم من فلسطينيي 48 لذكرى النكبة، بإنعاش الذاكرة المتعلقة بأكثر من 500 قرية دمرتها إسرائيل عام 1948 وأنشأت دولة على أنقاضها، ما بات يوصف يهوديا بـ”يوم الاستقلال”.
هدفت مسيرات العودة عند انطلاقها عام 1998 إلى ربط الأجيال الجديدة بماضيهم وتراثهم وأرضهم، وتذكير العالم بمعاناة أجيال من الفلسطينيين المهجرين من أرضهم رغم القوانين الدولية الصادرة من الأمم المتحدة، ومن بينها قانون رقم 194 الذي يدعو صراحة إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى قراهم.
كما تسعى أيضا إلى فرض حق عودة الفلسطينيين إلى أراضيهم التي هجروا منها قهرا قبل عقود من الزمن. فيما يلي نبذة عن مسيرات العودة. لمتابعة سجل هذه المسيرات منذ انطلاقها اضغط على الصورة.
قالت منظمة العفو الدولية، بمناسبة مرور 71 عاماً على ذكرى النكبة إن عدم احترام إسرائيل لحق الفلسطينيين الذين أُجبروا على الفرار من ديارهم في 1948 بالعودة إليها يعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. فهذا الانتهاك فاقم عقودًا من المعاناة لا يزال يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في المنطقة.
يحمل موقع منظمة العفو الدولية المخصص لإحياء ذكرى النكبة عنوان “سبعون عامًا من الاختناق“، ويعرض صورًا وشهادات مؤثرة تروي قصصًا مفجعة من حياة اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي الفلسطينية المحتلة والأردن ولبنان. وعبره، تطلب منظمة العفو الدولية من الجميع في شتى أنحاء العالم إظهار التضامن مع اللاجئين الفلسطينيين، كما تطالب إسرائيل باحترام حقهم في العودة.
وقال فيليب لوثر، مدير البحوث وكسب التأييد للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “بعد مرور أكثر من 70 عامًا على النزاع الذي أعقب إنشاء دولة إسرائيل، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون الذين أجبروا على ترك منازلهم وانتزعت منهم أراضيهم يواجهون عواقب وخيمة”.
“ففي نهاية هذا الأسبوع، سيشاهد حوالي 200 مليون شخص مسابقة الأغنية الأوروبية في إسرائيل. ولكن لن تفكر إلا قلّة من الناس، في ظل كلّ هذا التألق والبريق، بدور إسرائيل في إرساء سبعة عقودٍ من البؤس في حياة اللاجئين الفلسطينيين”.
“لا يمكن أن يستقيم حلٌّ دائمٌ لأزمة اللاجئين الفلسطينيين حتى تحترم إسرائيل حقهم في العودة. حتى حينه، يتعيّن على السلطات اللبنانية والأردنية أن تبذل قصارى جهدها لتقليل معاناتهم إلى الحدّ الأدنى عن طريق إلغاء القوانين التمييزية، وإزالة العقبات التي تحول دون حصول اللاجئين على العمل والخدمات الأساسية”.
يوجد حالياً أكثر من 5.2 مليون لاجئ فلسطيني مسجّل، تعيش غالبيتهم العظمى في الأردن ولبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة. ولا تزال إسرائيل ترفض الاعتراف بحقهم في العودة إلى ديارهم التي عاشوا فيها، هم أو أسرهم، في إسرائيل أو الأراضي الفلسطينية المحتلة، حسبما يملي القانون الدولي. كذلك، لم يتلقوا أيّ تعويض عن الأراضي والممتلكات التي فقدوها خلال عقود النكبة.
وهذا الوضع أجبر العديد منهم إلى العيش طوال حياتهم في مخيمات مكتظة في ظروف قاسية، وحُرموا من الحصول على الخدمات الأساسية.
وأضاف فيليب لوثر قائلاً: “اللاجئون الفلسطينيون في لبنان والأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة محاصرون في حلقة من الحرمان والتمييز الممنهج بلا مَخرج منها بادٍ في الأفق. وبالنسبة إلى الكثيرين منهم، الحياة مليئة بالقيود الخانقة، وقد أصبحت جحيمًا لا يطاق”.
تحديات يواجهها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان والأردن
إحياءً لذكرى يوم النكبة، جمعت منظمة العفو الدولية شهادات جديدة من اللاجئين الفلسطينيين تصف القيود التي يواجهونها في لبنان والأردن.
على الرغم من أن غالبية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وُلدوا في البلاد وعاشوا طوال حياتهم فيها، إلا أنهم لا يستطيعون الحصول على الجنسية اللبنانية، ولا يزال الكثيرون منهم عديمي الجنسية، ومحرومين من الحصول على الخدمات العامة، بما في ذلك الرعاية الطبية والتعليم.
أخبر العديد من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان منظمة العفو الدولية كيف تحطمت آمالهم في متابعة مسارات مهنية، وبناء مستقبل أفضل، نتيجة لقوانين التمييز التي تمنع الفلسطينيين من ممارسة أكثر من 30 مهنة، بما في ذلك الطب وطب الأسنان، والمحاماة، والهندسة المعمارية والهندسة. فهذه القيود حصرت العديد من اللاجئين الفلسطينيين في دائرة الحرمان والفقر.
محمد، لاجئ فلسطيني يبلغ من العمر 21 عاماً، وصف كيف تحطمت آماله عندما اكتشف أنه لا يستطيع العمل كطبيب أسنان محترف في لبنان لمجرد أنه فلسطيني. وقال لمنظمة العفو الدولية إنه يكره الحياة في المخيم: “أنا محاط بالفقر … أريد أن أُنشئ حياة أفضل لنفسي، بعيدًا عن كل هذا البؤس”.
واختارت سارة أبو شاكر، 14 سنة، السعي لتحقيق حلمها في دراسة الطب، رغم أنها كفلسطينية لا تمكنها ممارسة الطب في لبنان.
وأضافت قائلة: “حتى لو لم أتمكن من العمل كطبيبة هنا، يمكنني الذهاب إلى فلسطين ومساعدة المحتاجين، خاصةً الأطفال المحرومين. أريد إنقاذ الأرواح …”.
أما في الأردن فيعيش حوالي 2.1 مليون لاجئ فلسطيني، حوالي 370 ألف منهم في المخيمات التي تكون فيها الظروف عادةً قاسية. وحصل حوالي ثلاثة أرباع اللاجئين الفلسطينيين في الأردن على الجنسية الأردنية، ما أتاح لهم الحصول على الرعاية الصحية والتعليم. ومع ذلك، فإن أكثر من 600 ألف شخص، من بينهم حوالي 150 ألف فروا إلى الأردن من قطاع غزة في أعقاب الصراع العربي الإسرائيلي عام 1967، لم يتم تجنيسهم، فلا يحصلون على الخدمات العامة بشكل كافي.
ولدت جندية عواد، 48 عاماً، في الأردن، وعائلتها تعود إلى ما يُعرف الآن بجنوب إسرائيل. عاشت حياتها بأكملها في مخيم جرش، ووصفت معاناة العيش كلاجئة في الأردن قائلة:
“نشأت على أمل أن نعود غدًا إلى فلسطين، لكننا بقينا في منازل مصنوعة من ألواح الأسبستوس … أريد أن أعيش مثل البشر الآخرين. أريد التمتع بالرعاية الصحية والتعليم المناسب والبنية التحتية. أريد المساواة”.
إن قرار السلطات الأمريكية في 2018 بقطع التمويل عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي توفر الخدمات الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم والمساعدة في حالات الطوارئ والوظائف، لملايين اللاجئين الفلسطينيين، قد زاد من الضغوط على حياتهم.
واختتم فيليب لوثر قائلاً: “الوضع بالنسبة إلى اللاجئين الفلسطينيين لا يُحتمل، ويقترب من نقطة الانهيار مع مرور كل عام. إلى متى يمكن أن يُتوقع من اللاجئين الفلسطينيين عيش حياة المعاناة والحرمان والتمييز لا لشيء إلا بسبب أصلهم؟”.
لإنتاج موقعها الإلكتروني المخصص لذكرى يوم النكبة، تعاونت منظمة العفو الدولية مع تانيا حبجوقة، الحائز على جائزة أفضل مصورة، لتوثيق القصص الشخصية لعدد مختار من اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات مختلفة في الأردن ولبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة.