تطرح الكاتبة والأكاديمية اللبنانية ناتالي الخوري غريب في روايتها “الطريق الرابع” سيلاً من الأسئلة الوجودية والنفسية على شخصياتها الست، التي نتعرف إليها منذ الصفحات الأولى للرواية، في ما يشبه تعريفاً مبدئياً لكتابة مسرحية من سبعة فصول. لكن هذه المواربة الذكية لن تضعنا في سياق مسرحية “ست شخصيات تبحث عن مؤلف” للإيطالي لويجي بيرانديللو (1867- 1936) مع أن بناء الرواية والشكل الفني اللذين تقترحهما الكاتبة في روايتها الثالثة، الصادرة حديثاً عن دار نينوى (دمشق) يقومان على بنية حوارية درامية، تجعل السرد في تجاور مستمر مع الشرط الفني للكتابة المسرحية، ولكن من دون إحالات إخراجية، أو رسم حركي للشخصيات، بل من الانطلاق قُدماً نحو التأسيس للرواية الفلسفية والنفسية، التي تشكل تناصاً مع الشكل الفني للروايات الفلسفية التي تجلت مع ألبير كامو وجان بول سارتر وألدوس هكسلي وسواهما، إضافة إلى الكاتب الأميركي إرفين د. يالوم، صاحب روايتي “علاج شوبنهاور” و”عندما بكى نيتشه” اللتين تشير إليهما الخوري غريب على ألسنة شخصياتها الرسام دانيال وناردين أستاذة الفلسفة وديما مصممة الأزياء وآدم طبيب الهندسة الجينية وبيلا الصحافية والناقدة الأدبية وسامر بدران المدرب والطبيب النفسي.
تتمحور أحداث الرواية في وجود هذه الشخصيات ضمن ورشة عمل بعنوان فن إدارة الحياة، Life coaching وتتفق الشخصيات على السفر من لبنان إلى كرواتيا، ومنها إلى النيبال، وبعدها إلى فرنسا، مستلهمة شكل شجرة السنديان الضخمة كرمز لأصالة البعد الإنساني في الوجود، وحاجة الإنسان إلى الاهتمام بإعطائه الحياة في وجهتين، عبر الحب والاهتمام والماء، وتفرع الطرق الأربع منها، لكونها الاتجاهات المتاحة للإنسان في أبعادها الجغرافية المحددة، والتي كانت لها سياقاتها التاريخية أيضاً.
طريق الشجرة
الطريق الأولى – كما تورد الكاتبة الخوري – هي تلك الطريق التي انتهت في مدى قصير جداً، وقريباً من جذور الشجرة، من دون أن تبتعد عنها، وترمز إلى قِصر الطريق التي تتخذ من الموروث درباً. أما الطريق الثاني، فقد ابتعدت كثيراً، لتخرج عن مسارها الأرضي محلقة لتجاري النسر في نهاية طلوعه، إنما ترمز إلى الطريق الصوفي في مجاراة الحقيقة، خارجاً عن الشرائع والمألوف. والطريق الثالث متعرجة في مسارها، إلا أنها تصل إلى منفسحات لا تلبث أن تصل إلى مجرى نهر واسع، وهي الطريق إلى النهاية والتي تغرف من المنبع نفسه، فيما تتجه الكاتبة في الطريق الرابع نحو الداخل، تلك الطريق الخفية.