عندما يمتلئ قلب الشرطي بالذكاء الاجتماعي

أحمد الجبلي

قدرا، عشت حدثين مثيرين أبطالهما شرطيان من مدينة وجدة. لقد عبر الحدثان عن ذكاء اجتماعي حاذ ووعي بتفاعلات الأحداث عندما تُقرأ هذه الأحداث في سياقاتها الصحيحة، إرشادا للمواطن، أحيانا، بلغة اللبيب بالإشارة يفهم، وزجرا لمن يستحق الزجر لعله يتراجع عن سلوكات لا رحمة فيها ولا عطف على الضعفاء من أبناء المجتمع.

فالحدث الأول وقع لي شخصيا حيث كنت مارا بدراجتي النارية عاري الرأس لا خوذة فوقه مما يعني خرقا للقانون، رآني شرطي مرور، ولعله برؤيتي رأى خمسينيا اشتعل رأسه شيبا فاستحيى أن يوقفني فوضع يده على وجهه والتفت إلى الحائط كأنه لم يراني وفي نفس الوقت بعث برسالة واضحة أحسنتُ قراءتها، ظللت اليوم بكامله وأنا أقرأ سلوك الشرطي ولحد كتابة هذه السطور لم أنفك أفكر فيه، فكانت النتيجة أن تركت كل أشغالي وأوليت لهذا الفعل أولوية قصوى فتوجهت مباشرة إلى أحد مكاتب التأمين وأمنت دراجتي، وبعدها رجعت إلى المنزل حيث كنت أخبئ الرقم الترتيبي للدراجة فاتجهت نحو الصانع وقام بتركيبها خلف الدراجة، وأما الخوذة فكنت أملك واحدة. ففي ظرف يوم واحد تحولت من خارق للقانون إلى منضبط ومحترم ومنساق له لإيماني بأن باحترامه أحترم نفسي وهو يحميني ويحمي جميع أبناء المجتمع، إن تحولي هذا من خارق للقانون إلى محترم له منصاع له حدث فقط من خلال إشارة خفيفة من شرطي استحيى مني فكيف لا أستحي منه وقد قدرت كونه رأى في رجلا عاقلا فكيف لا أكون كذلك؟

أما الحدث الثاني فقد وقع أمام عيني وأنا في طريقي للعمل إذ أثار انتباهي  شاب يمسك بيد أبيه العجوز والمريض ويمشي رفقته في انتظار مرور طاكسي صغير كي يحمله إلى المستشفى، فمر سائق وأشار إليه الشاب ولكن السائق للأسف عندما رأى شيخا عجوزا يمشي ببطء وبصعوبة بالغة زاد في سرعته وأطلق العجلات للريح دون أدنى مبالاة بأنه رجل عجوز مريض في حاجة لرحمة ومساعدة. في هذه الأثناء كان يمر بالقرب منا شرطي على دراجته النارية الكبيرة فرأى ما حدث فتبع السائق وأوقفه على بعد ثلاثين متر، فأسرعت لعلي أستمتع بما سأسمعه أو أراه، وإذا بالشرطي يقول كلاما بليغا مؤثرا مؤنبا للسائق حيث قال له: “ألا توجد في قلبك رحمة؟ كيف تتجاهل الوقوف لرجل عجوز مريض؟ تخيل أنه أبوك أكنت تريد له أن يقع في نفس الوضعية ويمر سائق دون أن يقف له؟ لماذا منحناك رخصة السياقة إن لم تكن رهن إشارة المواطنين ومنهم على الخصوص مثل هذه الحالة؟ فسكت السائق وأحنى رأسه خجلا ولو يعقب. وأنى له ذلك.

إن هذا السلوك الإنساني الرحيم جعلني أفرح فرحا عارما، وطمأنني لأن هناك في هذه البلاد من يملك سلطة المحاسبة ويملك معها قلبا رحيما وعقلا راجحا ويرفض رفضا باتا أن تقع في مجتمعنا مثل هذه السلوكات الغريبة الممقوتة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.