انتهى الكلام: “لا دخل للجينات في المثلية”

أحمد الجبلي

سيكون يوم 30 غشت 2019 يوما أسودا في حياة المثليين، وحياة المدافعين عن المثلية الجنسية من أمثال البرلماني اليساري بلافريج. لأنه تاريخ نشر مجلة ساينس  Science الشهيرة لنتائج الدراسة التي أجرتها لتجيب عن سؤال ظلت الإجابة عنه عالقة إلى حدود نشر التقرير المفاجئ الذي أحدث ضجة حولت المثليين إلى مسوخ وجب عليها أن تعود إلى رشدها وتتراجع عن انحرافها.

في سنة 1993 نشر بحث أطلق عليه ظلما صفة “علمي” أشار إلى وجود علاقة بين المثلية الجنسية والوراثة تقع على الكروموسوم الجنسي X، فأطلقوا على هذا الكروموزوم اسم (جين المثلية)، وذلك على الرغم من وجود العديد من الشكوك حول الإحصاءات المتعلقة ببعض نتائج هذه الدراسة.

فيما بعد تضاءل الاعتقاد بوجود جين واحد محدد للمثلية الجنسية لصالح الاعتقاد بأن هذه الصفة ربما يقف وراءها تفاعل العديد من الجينات معًا. وقد خلصت دراستان، بناء على بعض التحليلات الوراثية، إلى هذه النتيجة التي مفادها أن الميل الجنسي ربما يكون راجعًا إلى وجود جينات معينة.

غير أن كل هذه الدراسات لم تعتمد على عينات كافية تسمح لها بأن ترقى إلى مستوى يعطي مصداقية لنتائجها أو يمنحها صفة “العلمية”، كما أنها لا تكفي للخلوص إلى دور الجينات بكل دقة.

ظل الأمر على هذا الاعتقاد إلى أن جاءت أبحاث مجلة “ساينس” لتقول كلمة فاصلة في الأمر مفادها أن لا علاقة للمثلية بالجينات، متجاوزة لكل الاختلالات التي سبق واعترت الدراسات السابقة، إذ اعتمدت على عينات واسعة شملت جينوم 493.001 مشارك.

وإذا كان البعض يحاول الطعن في هذه الدراسة لكونها لم تشمل سوى مشاركين من الولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا والسويد فقط، فإن عدد المثليين في أمريكا وانجلترا وحده يكفي لإجراء دراسة وبحوث معتبرة، لأن داخل هاتين الدولتين توجد قرى كاملة للمثليين هي عبارة عن مناطق جغرافية يعيش أو يتردد عليها مثليون ومثليات ومتحولون جنسيا، كما تعتبر مدينة نيويورك أكبر مدينة تضم المثليين حيث بلغ عددهم بها 272.493 مثلي، وتحتل لوس انجلوس المرتبة الثانية حيث بلغ عدد المثليين بها 154.270 مثلي، تليها مدينة شيكاكو ب 114.449 مثلي وسان فرانسيسكو ب94.234 مثلي وهي إحصاءات رسمية أنتجها مكتب تعداد الولايات المتحدة ACS) (.

إن الدراسة التي أعدتها “ساينس” أكدت على أن دور الجينات ضئيل للغاية، إن لم يكن منعدما، والباقي يعود إلى محددات بيئية ومجتمعية وسلوكية.

بل إن الأمر لم يقف عند هذا الحد، لقد أشارت الدراسة إلى أن هناك تداخلًا ما بين هذه الجينات وجينات أخرى على علاقة ببعض السلوكيات مثل التدخين وتعاطي الحشيش والقيام بمخاطرات، أي أن هناك تداخلًا ما بين تلك الجينات والجينات المتعلقة بسلوكيات الانفتاح وجدلية التأثير والتأثر في الوسط والمجتمع.

عندما نتتبع كل ما قيل حول هذا الموضوع، نجد أن البحوث كلها حاولت، اعتباطا، جعل الناس يعتقدون بأن للمثلية الجنسية أصلًا جينيًا حتى يتم قبولها بشكل أكبر على اعتبار أن لا حيلة للإنسان في تحديد جيناته، وبالتالي لا اختيار لديه فيما يتعلق بكونه مثليا جنسيًا أو ميالًا إلى الجنس الآخر. 

ولذا، تعتبر دراسة “ساينس” انقلابا جذريا، وكاشف ضوء فضح كل التزييفات التي طالت الموضوع، وربما قد تؤدي مثل نتائج هذه الدراسة إلى حملة مضادة مناهضة للمثلية الجنسية وهو الأمر الذي أدركه القائمون على دراسة ساينس الأخيرة، مما دفعهم إلى تدشين موقع إلكتروني لتفسير النتائج وإيضاحها بشكل لا يؤدي إلى اختزالها في انحيازات أخلاقية مسبقة وسوء فهم مبيت، كما أنهم رحبوا بالتواصل مع مجتمعات الأقليات الجنسية من أجل الوصول إلى صياغات للتقليل من سوء الفهم الذي قد يحيط بمثل هذه الدراسة.

ومن تداعيات هذه الدراسة، أي بعد انهيار القول بالجينوم، تراجع البعض من اعتبار المثلية ذات أسباب جينية إلى اعتبارها سلوكا حرا يجب احترامه لأنه لا يضر أحدا، وأي ممارسة مع جنس مغاير تتم بشكل رضائي محض لا اغتصاب فيها ولا إرغام. ولكن القول بالسلوك الحر هو قول غير سوي ويحمل مغالطات قاتلة، حيث لا أحد يريد أن يتفشى السلوك الفردي الحر المرفوض اجتماعيا فيتحول إلى ظاهرة تقتحم على الإنسان منزله وبالتالي تطال عائلته، لأن القول بالحرية وقبوله سيجعل الناس أفرادا ودولا تقبل ببيع المخدرات وتناولها وعقر الخمرة وترويجها في الشوارع وقرب العائلات، كما ستقبل أن يمشي الناس عراة ويفعلون ما يحلو لهم وبالتالي يتحول المجتمع إلى فوضى عارمة لا ضابط لها ولا قانون سوى الحرية والتصرف وفق الهوى وما تشتهيه الأنفس، وهو الأمر الذي لا يوجد في أي دولة من دول العالم.

 لو كانت المثلية الجنسية جينية لما أهلك الله قوم لوط (فجعلنا عاليها سافلها وأمطرها عليهم حجارة من سجيل) (وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) ولكنه أهلكهم لأن المثلية سلوك شاذ خارج عن فطرة الله التي فطر الخلائق عليها حيث خلقهم زوجين اثنين فخلق الإنسان الذكر وخلق منه زوجه حتى ينشأ النسل وتستمر الحياة. وختاما نقول: إن الدهريين عندما اختزلوا الحياة في بطون تدفع وأرض تبلع كانوا أكثر منطقا وانسجاما مع طبيعة الأشياء ومع الفطرة من هؤلاء المثليين ومؤيديهم الذين تاهت بهم السبل فتخلفوا وعادوا إلى عهود قروسطوية بائدة حيث يوجد قوم لوط.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.