يثير إقصاء عدد من المنابر الإعلامية والصحافيين من تغطية التظاهرات الكروية المنظمة بالمغرب جدلاً واسعاً في الأوساط المهنية، خاصة بعد صدور بيان استنكاري صريح عن النقابة الوطنية للصحافة المغربية، عبّرت فيه عن رفضها المطلق لما اعتبرته إقصاءً غير مبرر ومنافياً لمبادئ المهنة وأخلاقياتها.
ويأتي هذا الإقصاء في وقت يُفترض فيه أن يشكل الإعلام شريكاً أساسياً في مواكبة النجاحات الرياضية الوطنية وتسويقها، غير أن الواقع يعكس مفارقة مقلقة، حيث يُفتح المجال أمام إعلام التطبيل والترويج الأحادي، بينما يتم التضييق على الأصوات المهنية المستقلة، وكل من يحاول ممارسة النقد المسؤول أو طرح الأسئلة المشروعة.
هذا الوضع يطرح تساؤلات جوهرية حول معايير الاعتماد المعتمدة في تغطية الأحداث الرياضية:
هل أصبح الصحافيون يُصنَّفون على أساس القرب والولاء بدل المهنية والكفاءة؟
وهل تحوّل الحق في الوصول إلى المعلومة إلى امتياز يُمنح ويُسحب وفق منطق غير معلن؟
إن إقصاء الصحافيين من أداء مهامهم لا يمس فقط بحقوقهم المهنية، بل يُعد مساساً مباشراً بحق المواطن في الإعلام والتعددية، كما يتعارض مع مقتضيات دستور 2011، الذي يكفل حرية الصحافة ويضمن الحق في الحصول على المعلومة.
وفي هذا السياق، تبقى الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، باعتبارها الجهة الوصية على تنظيم التظاهرات الكروية، مطالبة بتوضيح موقفها وتحمل مسؤوليتها المؤسساتية، خاصة في ظل خروج النقابة الوطنية للصحافة ببيان واضح يدعو إلى احترام القانون والمؤسسات، ويؤكد أن النقابة إطار دستوري لا يمكن تجاهل مواقفه أو التقليل من شأنها.
وقد عبّر الشاعر أبو الطيب المتنبي عن رفض الجبن في مواجهة الظلم بقوله:
«وإذا لم يكن من الموتِ بُدٌّ
فمن العجزِ أن تموتَ جباناً»
وهي مقولة تختزل الحاجة إلى مواقف واضحة وشجاعة في الدفاع عن حرية الإعلام واستقلاليته، بعيداً عن منطق الصمت أو العمل في الخفاء.
إن خطب وتوجيهات جلالة الملك محمد السادس نصره الله، أكدت مراراً على مكانة الإعلام الحر والمسؤول، وعلى ضرورة احترام الحقوق والحريات كما هي منصوص عليها دستورياً، وفي مقدمتها الحق في الوصول إلى المعلومة.
وفي الختام، يظل الرهان الحقيقي معقوداً على وعي المجتمع المغربي في مواجهة صحافة التشهير والريع، والدفاع عن إعلام مهني مستقل ونزيه، يؤدي دوره الرقابي والتنويري في خدمة الوطن والمواطن، بعيداً عن كل أشكال الإقصاء أو التمييز.
وعليه، فإن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بتحمّل مسؤوليتها الكاملة فيما يقع من إقصاء وتهميش غير مبرر في حق الإعلام الوطني، خاصة خلال التظاهرات الكروية التي تُنظم فوق التراب الوطني وتُسوَّق خارجيًا باعتبارها واجهة مشرفة للمغرب.
كما أن رئيس الجامعة، فوزي لقجع، مطالب بتقديم توضيحات صريحة والرد بشكل مباشر على بيان النقابة الوطنية للصحافة، لأن الصمت في مثل هذه القضايا لا يُفسَّر إلا على أنه تزكية لوضع يسيء إلى صورة المغرب قبل أن يسيء إلى الصحافيين أنفسهم.
إن ما يقع اليوم لا يمس أفرادًا أو منابر بعينها، بل يطال شرف الإعلام الوطني أمام المنتظم الدولي، ويضرب في العمق قيم الشفافية وتكافؤ الفرص، ويعطي انطباعًا خاطئًا عن طريقة تدبير العلاقة بين المؤسسة الكروية والإعلام، في مرحلة يفترض أن يكون فيها المغرب نموذجًا يُحتذى به إقليميًا وقاريًا.
فالإعلام الحر والمسؤول ليس خصمًا، بل شريكًا أساسيًا في البناء والتأطير والتسويق، وأي محاولة لتكميمه أو تصنيفه على أساس الولاء بدل المهنية، هي خسارة جماعية لا رابح فيها.