أفادت السلطات المغربية بمقتل 19 شخصا وإصابة 16 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة إثر انهيار مبنيين سكنيين متجاورين ب”مدينة فاس”.
وهكذا فقد خلف انهيار مبنيين سكنيين متجاورين ب”حي المستقبل” في المنطقة الحضرية “المسيرة” ب”مدينة فاس”، فجر الأربعاء، مصرع 19 شخصا وإصابة 16 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة، وفق المعطيات الرسمية الصادرة عن السلطات المحلية.
الحادث الذي تم وصفه ب”المأساوي” خلف صدمة وذعرا في المنطقة التي وقع فيها الحادث، فيما تتواصل عمليات البحث عن ناجين محتملين.
وأوضحت السلطات أن المبنيين، اللذين يتكون كل منهما من 4 طوابق وتقطنهما 8 أسر، انهارا بشكل مفاجئ. وهو ما أدى لسقوط عدد كبير من الضحايا تحت الركام.
وفور وقوع الانهيار، هرعت السلطات المحلية والأجهزة الأمنية وفرق الوقاية المدنية إلى عين المكان، حيث باشرت عمليات إنقاذ مكثفة امتدت لساعات. شملت تأمين الموقع وإجلاء الأسر المجاورة مخافة تسجيل انهيارات إضافية.
وقد تم نقل المصابين إلى “المركز الاستشفائي الجامعي” ب”فاس” لتلقي العلاجات الضرورية. فيما فتحت السلطات تحقيقا لتحديد أسباب انهيار المبنيين.
انهيار مفاجئ لمبان تضم 8 أسر
أفادت السلطات المحلية أن المبنيين المكونين من أربعة طوابق يأويان ثمان أسر، انهارا بشكل مفاجئ. وهو ما أدى لسقوط الضحايا تحت الركام. مبرزة أن حجم الانهيار كان كبيرا للغاية.
تسلط هاته الفاجعة الضوء على الإشكالات المستمرة المرتبطة بسلامة البنايات، خاصة في الأحياء التي شهدت توسعا عمرانيا غير منتظم.
تجدر الإشارة إلى “القانون رقم 66.12″، المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء. يضع إطارا صارما لمعايير السلامة. حيث تنص “المادة 4 من القانون” على ضرورة احترام شروط الصلابة والاستقرار. فيما يحمل القانون الفاعلين الإداريين والمالكين والمهنيين التقنيين مسؤوليات مباشرة في حال الإهمال.
وفي هذا الشأن تحدد “المادة 4 من ذات القانون” أنواع المخالفات التي يمكن أن يرتكبها المخالف في مجال البناء والتعمير. ضمنها البناء بدون ترخيص أو مخالفة شروط الرخصة (كالعلو، المساحة وتغيير الاستعمال). كما تضع الإطار القانوني لتصنيفها (بسيطة، خطيرة). ممهدة الطريق للمسطرة التي يجب اتباعها من قبل المراقبين المختصين (مثل رئيس المجلس الجماعي أو العون المحلف) لإيقاف الأشغال وتحرير محاضر تفصيلية للمخالفة لإحالتها على الجهات القضائية المختصة. كما تمنحهم سلطة حجز المعدات وإغلاق الورش.
كما ترتب “المواد 432 و433 من القانون الجنائي المغربي” قواعد زجرية للمسؤوليات الجنائية عن التسبب في الوفاة أو الإصابة نتيجة الإهمال أو التقصير.
جدير بالذكر أن “المادة 432 من القانون الجنائي” تعاقب على القتل غير العمدي الناتج عن عدم التبصر أو الإهمال أو عدم مراعاة القوانين. فيما تعاقب “المادة 433 من ذات القانون” على الجرح أو الإصابة غير العمدية التي تؤدي إلى عجز يتجاوز ستة أيام. مؤكدة على ضرورة تطبق أحكامهما على الجميع، بمن فيهم الأطباء، في حالات الأخطاء المهنية التي تقع بسبب الإهمال أو نقص الاحتياط. وتهدف المادتان لضبط المسؤولية الجنائية عن التقصير البشري الذي يؤدي إلى أضرار جسيمة.
فاجعة تؤشر على قصور في مراقبة البنايات
أشارت تقارير سابقة صادرة عن وزارة إعداد التراب الوطني إلى وجود عدد مهم من المباني الآيلة للسقوط في بعض مدن المملكة، ضمها “مدينة فاس”. كاشفة عن جرد لأكثر من 39 ألف مبنى على الصعيد الوطني وتدخل لمعالجة ما يقارب 18,324 بناية حتى نهاية 2023. الأمر الذي يبز تحديا كبيرا في المدن القديمة والمناطق الحضرية الهشة. وهو ما يتطلب جهوداً مستمرة.
وكان تقرير صادر عن “البنك الدولي”، عام 2023 قد أوضح التحديات القائمة في المغرب في مجالات التحضر والنمو الحضري السريع. مؤكدا على أهمية الإدارة الحضرية وحماية التراث العمراني.
وقد باشرت السلطات المختصة تحقيقا موسعا في الموضوع لتحديد الاسباب المباشرة للانهيار ومدى احترام المبنيين لشروط التعمير وترتيب المسؤوليات وبالتالي الجزاءات.
وتتحقق السطات المختصة من توفر المبنيين على رخص للبناء فضلا عن تقارير الخبرة الهندسية ومدى التزام المالكين والمقاولين بتصاميم التشييد. إضافة لتدخلات المراقبة الإدارية خلال السنوات الأخيرة.
وفي حال ثبوت وجود تقصير، فستعمل السلطات على تفعيل مساطر قانونية تشمل تطبيق مقتضيات الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود، ذا الصلة ب”الخطأ المرفقي”. الذي يقر بمسؤولية الدولة والجماعات الترابية عن الأضرار التي تنجم عن سير إدارتها وعن “الأخطاء المصلحية لمستخدميها”. وهو ما يعني أن الدولة مسؤولة عن الأخطاء التي ترتكبها الإدارة في سياق عملها العام. مؤسسا بذلك للمسؤولية الإدارية على أساس الخطأ (المرفقي). فاتحا الباب لتعويض المتضررين، مع التمييز بين الخطأ المرفقي، أي مسؤولية الإدارة. والخطأ الشخصي للموظف، أي سؤولية الموظف نفسه. كما جاء في الفصول اللاحقة، خاصة الفصل 80 من ذات القانون. فضلا عن تطبيق مقتضيات القانون الجنائي الزجرية في حالة ثبوت تقصير أو إخلال بالالتزامات إضافة للنصوص التنظيمية ذات الصلة بقانون البناء والتعمير.
فاجعة تفتح نقاشا واسعا حول جدوى آليات مراقبة البنايات فضلا عن الحاجة لجرد شامل للبنايات المهددة بالانهيار واتخاذ قرارات في شأنها لتفادي الكوارث. إضافة لدور الجماعات الترابية في الوقاية الحضرية مع ضرورة تحديث قوانين التعمير وربط المسؤولية بالمحاسبة.
ويبقى التحقيق الرسمي مفتاح الكشف عن أسباب الانهيار وما إن كان ناتجا عن عيوب بنيوية أو إهمال بشري أو تجاوزات تعميرية.