أكد وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، أن مشروع قانون مهنة المحاماة سيُعرض للمصادقة في مجلس الحكومة منتصف دجنبر المقبل، بعد التوصل إلى توافقات واسعة بين الوزارة وجمعية هيئات المحامين بالمغرب، معلناً عن إعداد أيام دراسية بالبرلمان لإشراك كل النقباء وأطر الهيئة في النقاش التشريعي.
الوزير شدد خلال افتتاح “ندوة التمرين الوطنية” بهيئة المحامين بالدار البيضاء، السبت، على أن الدفاع عن المهنة يظل أولوية لديه، رغم “تعقيدات مؤسسة الدولة”، معتبرا أن المطالب المهنية للمحامين “عادلة ومرتبطة بدورهم النبيل في صون الحرية والمحاكمة العادلة”.
التحديات الرقمية والذكاء الاصطناعي… “هل سيصمت المحامي أمام نتائج الآلة؟”
وهبي خصّص جزءا هاما من كلمته للتحولات التكنولوجية التي تهدد وظيفة المحامي التقليدية، محذراً من أن التطور العلمي الهائل في وسائل الإثبات – من البصمات والصور الدقيقة إلى تحليل الجسد عبر الكاميرات المتطورة – بات يطرح سؤالاً حرجاً حول دور المحامي في المستقبل.
وقال: “بين خطاب المحامي القائم على الاحتمال، وبين النتائج العلمية التي يراها المتدخلون حقائق مطلقة، كيف سيستمر المحامي في أداء وظيفته؟” مضيفاً أن بعض الأنظمة القضائية في العالم تناقش فكرة “القاضي الآلة” والذكاء الاصطناعي في إصدار الأحكام، وهي تصورات وصفها بـ“الاغتيال البارد للعدالة الإنسانية”.
وأوضح الوزير أنه كان “الصوت الوحيد المعارض” للفكرة خلال زياراته لعدد من الدول، مؤمناً بأن إحساس القاضي وخطأه الإنساني أحياناً جزء من جوهر العدالة، وأن فصل القضاء عن العنصر البشري سيحوّل العملية برمتها إلى “طغيان آلي”.
وسائل التواصل الاجتماعي… “منبر للتباغض الاجتماعي لا لمرافعات المحامين”
وانتقد وهبي بشدة لجوء بعض المحامين إلى وسائل التواصل الاجتماعي لمناقشة ملفات موكليهم، معتبراً ذلك “استباحة خطيرة لحياة المتقاضين ومساساً بأخلاقيات المهنة”.
وقال إن تحول المحامي إلى “صحفي رديء”، على حد تعبيره، عبر استعراض تفاصيل القضايا على الشاشات، يسيء للعدالة ويقوّض حرمة الدفاع، داعيا إلى العودة للمرافعة داخل الجلسات واحترام سرية القضايا.
كما حذّر من انتقال الظاهرة إلى القضاء نفسه، حيث باتت بعض الجلسات تُصوَّر وتنشر، ما يهدد هيبة القاضي ويحوّله إلى “شخصية عامة قابلة للتجرؤ عليها”. وأوضح أن تعيين ناطق رسمي باسم النيابة العامة في القانون الجنائي الجديد جاء لقطع الطريق على هذه الممارسات.
المحاماة بين قدسية التاريخ وتعقيدات العصر
استرجع الوزير بداياته المهنية كمحامٍ متمرن، قائلاً إن المهنة صنعت السياسيين وأسهمت في بناء دولة الحق والقانون، وكان المحامي دائماً “الصوت النشاز” الذي يواجه تجاوزات السلطة.
وأشار إلى أن تطور العلوم والذكاء الاصطناعي وتعقّد القوانين عبر الحدود سيجعل المحامي مستقبلاً يواجه تحديات غير مسبوقة، إذ قد يجد نفسه يناقش ملفاً واحداً يخضع لقوانين ضريبية في بلد، وجمركية في بلد آخر، وقواعد إثبات في دولة ثالثة.
قانون المهنة… توافقات مع الجمعية وجدولة حكومية واضحة
أعلن وهبي أن جلسات الحوار الطويلة مع جمعية هيئات المحامين أثمرت توافقات مهمة حول مشروع قانون المهنة، مؤكدا عقد اجتماع خاص حول المشروع قريباً بين الطرفين، وعرض القانون على مجلس الحكومة منتصف دجنبر 2025، ثم إحالته مباشرة بعد ذلك على البرلمان، وتنظيم أيام دراسية بمجلسي النواب والمستشارين لإشراك الهيئة المهنية كاملة.
“المحامي يبقى متمرناً… حتى يلقى ربه”
وأنهى وزير العدل كلمته برسالة موجهة للجيل الجديد من المحامين المتمرنين، دعاهم فيها إلى التواضع العلمي والاستمرار الدائم في التعلم، قائلاً:
“القانون علم لا متناهٍ، وكل يوم تكتشف أنك جاهل بشيء جديد. المحامي يظل متمرنا إلى أن يلقى ربه”.