إسرائيل بين المهاجرين والمستوطنين: مجتمع في صراع داخلي
يقدّم عالم الاجتماع الإسرائيلي باروخ كيمرلينغ في كتابه “المجتمع الإسرائيلي: مهاجرون، مستعمرون، مواليد البلد” قراءة نقدية للمجتمع الإسرائيلي، موضحًا أن الدولة التي تأسست على الهجرة الاستيطانية لم تتمكن من خلق “وطن موحّد”، بل تحوّل المجتمع إلى فسيفساء من الجماعات الإثنية والدينية المتنازعة، مثل الأشكناز والسفارديون، الروس والحريديم، والإثيوبيون والفلسطينيون داخل الخط الأخضر.
ويرى كيمرلينغ أن إسرائيل تعيش أزمة هوية بنيوية؛ إذ لم تعد “وطنًا قوميًّا موحدًا”، بل أصبحت ساحة صراع ثقافي وسياسي بين جماعات تتنازع على الانتماء والشرعية. ويشير إلى أن التعددية في إسرائيل ليست تنوعًا حضاريًا، بل تصدعًا أخلاقيًا وسياسيًا ناتجًا عن مشروع استيطاني أُسس على إقصاء الفلسطينيين وإنكار تاريخهم.
ينقسم الكتاب إلى عدة محاور: البداية التاريخية لنشوء الدولة الإسرائيلية من الشتات اليهودي، مرورًا بمرحلة الهيمنة الثقافية للأشكناز، وصولًا إلى التحولات المعاصرة التي أظهرت صراعات بين المهاجرين والشرقيين والحريديم، بالإضافة إلى الفلسطينيين كمكوّن أصلي يعاني التهميش والتمييز البنيوي. كما يتناول الكتاب المهاجرين الروس واليهود الإثيوبيين وتأثيرهم على موازين القوى الثقافية والسياسية، ويحلّل دور الهوية العلمانية اليهودية والصراع الرمزي مع الجماعات الدينية.
يخلص كيمرلينغ إلى أن إسرائيل انتقلت من نموذج الدولة المهيمنة إلى حالة “حرب ثقافات”، حيث تتصارع الهويات المختلفة على تعريف من هو “إسرائيلي”، مما يعكس أزمة بنيوية حقيقية قد تعيد تشكيل مفهوم الدولة نفسها بين يهودية وديمقراطية متعددة الثقافات.
قدم الكتاب صورة دقيقة لمجتمع استيطاني يعيش توترًا داخليًا مستمرًا، ويبرز كيف أن الهويات الإثنية والثقافية والدينية تشكل محور الصراع داخل إسرائيل، مؤكدًا أن الدولة لم تعد “وطنًا جامعًا” للمهاجرين، بل مجتمعًا متنازعًا بين التعددية وحرب الثقافات.