محكمة تؤكد استقلال المسار القضائي وتُثبّت ولايتها على الأراضي الفلسطينية
رفضت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، يوم الجمعة 17 أكتوبر 2025، استئنافًا ثانيًا تقدمت به إسرائيل ضد مذكرتي الاعتقال الصادرتين بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، والمتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.
وفي قرار مفصل من عشر صفحات، اعتبرت المحكمة أن إسرائيل كرّرت ذات الحجج القانونية التي سبق أن تم رفضها في استئنافها الأول خلال يوليوز 2025، لا سيما ما يتعلق بـ”عدم اختصاص المحكمة بالنظر في الجرائم الواقعة على الأراضي الفلسطينية”.
لاهاي تثبّت ولايتها القانونية على الأراضي الفلسطينية
أوضحت المحكمة أن إصدار مذكرات التوقيف تم ضمن مسار قانوني مستقل عن النقاش حول الاختصاص، مشددة على أنها ليست ملزمة بمناقشة هذه المسألة قبل تنفيذ أوامر التوقيف الدولية.
ويستند موقف المحكمة إلى اعترافها الرسمي بفلسطين كدولة عضو في نظام روما الأساسي منذ فبراير 2021، ما يمنحها اختصاصًا قضائيًا شاملاً يغطي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية.
اتهامات ثقيلة في سياق حرب مدمّرة
تغطي مذكرات الاعتقال الجرائم المرتكبة بين 8 أكتوبر 2023 و20 ماي 2024، وهي الفترة التي شهدت عملية عسكرية إسرائيلية واسعة على قطاع غزة، أسفرت عن:
-
67,967 قتيلًا، غالبيتهم من الأطفال والنساء.
-
170,179 جريحًا.
-
463 ضحية للمجاعة، من بينهم 157 طفلًا.
ووصفت منظمات حقوقية دولية ومنصات أممية هذه العملية بـ”الإبادة الجماعية”، في حين تتهم المحكمة الجنائية نتنياهو وغلانت بالمسؤولية المباشرة عن جرائم تشمل القتل العمد، التهجير القسري، تجويع السكان المدنيين، واستهداف البنى التحتية الإنسانية.
الاتفاق السياسي لا يوقف مذكرات الاعتقال
رغم دخول اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في غزة، بوساطة أمريكية، حيز التنفيذ في 10 أكتوبر 2025، إلا أن المحكمة أكدت أن المذكرات تظل سارية ولا تتأثر بالتفاهمات السياسية.
وأشارت إلى أن الجرائم المرتكبة خلال الحرب لا تُغلق بمرور الوقت أو عبر التفاهمات، إذ أنها تندرج ضمن الجرائم التي لا تسقط بالتقادم وفق القانون الدولي.
ثغرات قانونية في دفوع إسرائيل
استندت إسرائيل في استئنافيها إلى الطعن في اختصاص المحكمة فقط، دون تقديم اعتراض قانوني رسمي على “مقبولية الدعوى”، وهي الخطوة الوحيدة التي تتيح تعليق التحقيق مؤقتًا، بحسب المادة (19/7) من نظام روما الأساسي.
لذلك، رفضت المحكمة الطلب مجددًا، مؤكدة أن إسرائيل لم تسلك المسار القانوني الصحيح، مكتفية بالاعتراض على اختصاصها في النظر في القضايا الفلسطينية.
تداعيات دولية: تقويض صورة إسرائيل القانونية
يأتي هذا الرفض الثاني ليعزز من شرعية المحكمة ويضع ضغوطًا دبلوماسية إضافية على إسرائيل، خصوصًا في ظل تنامي المطالبات الدولية بوقف الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية.
كما يُعدّ القرار خطوة إضافية في ترسيخ مكانة فلسطين كطرف معترف به دوليًا، ليس فقط سياسيًا بل أيضًا على مستوى العدالة الدولية.