موجة احتجاجات تجتاح الولايات المتحدة رفضًا لما يصفه المحتجون بـ«النزعة السلطوية» للرئيس الجمهوري
شهدت مدن الولايات المتحدة، من نيويورك إلى سان فرانسيسكو، يوم السبت، مظاهرات حاشدة ضمّت ملايين الأميركيين المشاركين في يوم تعبئة وطني حمل شعار «No Kings» («لا ملوك»)، في رسالة رمزية تعبّر عن رفض ما يعتبره المحتجون «نزعة سلطوية» و«استحواذًا على السلطة» من قبل الرئيس الجمهوري الحاكم.
هذه الموجة من الاحتجاجات، التي وُصفت بأنها الأضخم منذ بداية الولاية الرئاسية الحالية، تأتي في وقت تعيش فيه البلاد حالة من الانقسام الحاد بين التيارات الليبرالية واليمينية، وسط جدل محتدم حول مستقبل الديمقراطية الأميركية، وحدود صلاحيات الرئيس في النظام الفيدرالي.
يوم تعبئة يثير الجدل
منذ الساعات الأولى من صباح السبت، بدأت المسيرات تتشكل في أحياء نيويورك، حيث خرجت حشود من المواطنين رافعين لافتات كتب عليها:
«نحن نحب وطننا، لكننا لا نطيق ترامب»،
«لا ملوك في الجمهورية»،
و«أميركا ليست ضيعة خاصة».
وفي حي فورست هيلز بنيويورك، تجمّع المئات هاتفين ضد ما وصفوه «بإهانة المؤسسات الديمقراطية». تقول ستيفاني (36 عامًا)، وهي إحدى المشاركات:
«هذا الرئيس عار على البلاد. آمل أن يخرج ملايين الأشخاص إلى الشوارع اليوم. نحن هنا لأننا نحب أميركا، لا لأننا نكرهها»،
موضحة أنها فضّلت عدم الكشف عن اسم عائلتها لأسباب أمنية، في ظل ما تصفه بـ«تزايد مناخ الترهيب السياسي».
ردود فعل متباينة
في المقابل، شنّت الأوساط اليمينية حملة انتقادات شرسة ضد حركة «لا ملوك»، معتبرة أنها «تغذي الكراهية ضد الولايات المتحدة» و«تسعى لتقويض شرعية النظام الدستوري». ووصفت شخصيات جمهورية بارزة المظاهرات بأنها «محاولة يسارية لزعزعة الاستقرار الداخلي تحت غطاء الدفاع عن الديمقراطية».
غير أن منظّمي المسيرات ردّوا على هذه الاتهامات مؤكدين أن الحراك لا يستهدف النظام الأميركي ذاته، بل يهدف إلى إنقاذه من الانحراف نحو الحكم الفردي. وقال أحد الناطقين باسم الحركة في بيان:
«شعارنا بسيط: لا ملوك، لا أوثان، لا أحد فوق القانون. الديمقراطية الأميركية قائمة على مبدأ المحاسبة، ولا يمكن أن نسمح بتآكل هذا المبدأ».
جذور الغضب الشعبي
تعود جذور هذا الغضب إلى سلسلة من القرارات المثيرة للجدل التي اتخذها الرئيس الجمهوري في الأشهر الأخيرة، من بينها توسيع صلاحياته التنفيذية في مجالات الأمن والهجرة والإعلام، فضلًا عن تصعيد الخطاب الشعبوي ضد المعارضين والصحافة المستقلة.
ويرى مراقبون أن هذا المناخ المتوتر يعيد إلى الأذهان أجواء الانقسام التي سادت خلال الانتخابات السابقة، والتي كشفت هشاشة التماسك الاجتماعي والسياسي في البلاد.
ويشير خبراء في العلوم السياسية إلى أن هذه الموجة الاحتجاجية تعبّر عن عودة الوعي المدني الأميركي بعد سنوات من اللامبالاة السياسية، معتبرين أن شعار «لا ملوك» يحمل دلالات رمزية قوية في بلد قام على الثورة ضد الملكية البريطانية في القرن الثامن عشر.
بين الشارع وصناديق الاقتراع
يرى بعض المحللين أن هذه المظاهرات ليست سوى مقدمة لمعركة انتخابية كبرى ستدور في الأشهر المقبلة، إذ تسعى المعارضة الديمقراطية إلى تحويل هذا الزخم الشعبي إلى قوة تصويتية تضعف موقف الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية القادمة.
ويحذر آخرون من أن تصاعد التوتر في الشارع قد يؤدي إلى مزيد من الاستقطاب وربما إلى أعمال عنف محدودة في بعض الولايات المتوترة سياسيًا.
في نهاية اليوم، وبينما كانت المسيرات تتفرق على وقع الأناشيد الوطنية والهتافات المناهضة للرئيس، بدا واضحًا أن الانقسام الأميركي لم يعد مجرد خلاف حزبي، بل أصبح سؤالًا جوهريًا حول طبيعة النظام السياسي نفسه:
هل تظل الولايات المتحدة ديمقراطية قائمة على الفصل بين السلطات، أم أنها تسير نحو نموذج رئاسي مفرط القوة؟
في خضم هذا الجدل، يبدو أن شعار المحتجين «لا ملوك» ليس مجرد صرخة غضب، بل تذكير رمزي بجوهر الفكرة الأميركية ذاتها: