يشهد المغرب اليوم مرحلة مفصلية في سياسته الخارجية، حيث يولي اهتمامًا متزايدًا لتعزيز علاقاته مع الدول الإفريقية، ضمن رؤية استراتيجية تجمع بين الدبلوماسية الاقتصادية والسياسية. هذا التوجه لا يقتصر على توقيع الاتفاقيات أو الزيارات الرسمية، بل يشمل أيضًا بناء شراكات مستدامة في مجالات الاستثمار، الطاقات المتجددة، التعليم، والصحة، بما يعكس إرادة المغرب في لعب دور فاعل ومؤثر في القارة.
منذ إعادة الانخراط الكامل في الاتحاد الإفريقي عام 2017، نجح المغرب في إعادة بناء شبكة علاقاته التقليدية، مع التأكيد على دوره كحلقة وصل بين إفريقيا وأوروبا، وكمحرك للتنمية الاقتصادية والسياسية في القارة. المبادرات المغربية مثل وكالة المغرب العربي للإنماء والتعاون، وبرامج الاستثمار في البنية التحتية والطاقة، تشير إلى استراتيجية شاملة تستهدف تعزيز النفوذ من خلال التنمية المستدامة، وليس القوة التقليدية فقط.
التحديات التي تواجه المغرب في إفريقيا متعددة، أبرزها المنافسة مع الدول الكبرى على النفوذ السياسي والاقتصادي، وضغوط التغيرات المناخية التي تهدد استقرار بعض الدول الإفريقية، بالإضافة إلى الأزمات الأمنية في مناطق محددة. ومع ذلك، يعتمد المغرب على مزايا نسبية واضحة، منها استقرار الدولة، خبرة المؤسسات في التنمية، والعلاقات التاريخية والثقافية التي تربطه بالعديد من البلدان الإفريقية.
السياسة المغربية تجاه إفريقيا اليوم تركز أيضًا على تعزيز الدور البرلماني والثقافي، بما في ذلك تشجيع التبادل الأكاديمي والتعاون في قطاع الثقافة والفنون، لأن القوة الناعمة أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الاستراتيجية السياسية المعاصرة. هذا التوازن بين القوة الاقتصادية والسياسية والثقافية يضع المغرب في موقع استراتيجي يمكنه من التأثير في صياغة مستقبل القارة.
في هذا الإطار، يصبح المغرب مثالًا للدولة التي تسعى إلى إعادة تعريف دورها الإقليمي في القرن الحادي والعشرين، من خلال استثمار التراث الدبلوماسي والتاريخي مع تبني رؤية حداثية مبتكرة. فالمغرب، وفق هذه الاستراتيجية، لا يقتصر على دوره التقليدي كدولة وساطة، بل يسعى ليصبح فاعلًا رئيسيًا في صياغة التحولات السياسية والاقتصادية في إفريقيا، بما يعكس رؤية شاملة للتنمية والاستقرار على المدى الطويل.