احتكار غامض لتنظيم المهرجانات والندوات الكبرى بالمغرب.. تحقيق استقصائي حول شبكات النفوذ وقواعد التنافسية

بقلم: الأستاذ محمد عيدني_فاس

بقلم: الأستاذ محمد عيدني_فاس

في المغرب، يبدو أن تنظيم المهرجانات والندوات الكبرى صار حكراً على فاعل واحد، حاضر في معظم المدن من طنجة شمالاً إلى أكادير جنوباً وكأنه “المنظم الوحيد” القادر على الظفر بعقود ضخمة، سواء كانت ثقافية، رياضية، أو اجتماعية. هذه الظاهرة أثارت التساؤلات حول مدى احترام مبادئ الشفافية والتنافسية المنصوص عليها دستورياً وقانونياً، وعن الأطراف الحقيقية المستفيدة من هذا الوضع.

احتكار في القطاع.. أم كفاءة فائقة؟:

مصادر مطلعة في القطاع أكدت أن قدرة هذا الفاعل على السيطرة على السوق لا تُفسّر فقط بالخبرة التنظيمية، بل ترتبط بعلاقات متشابكة مع أطراف سياسية ومالية. فالعقود الكبرى غالباً ما تُسند دون مناقصة حقيقية، ويُعاد إنتاج نفس الأسماء والشركات المساندة في كل مدينة، فيما تُقصى وكالات صغيرة ومهنيون مستقلون من السوق، رغم توفرهم على إمكانيات تقنية وتنظيمية عالية.

أمثلة على الاختلالات:

إحدى الشركات المحلية الناشئة، حاولت التقدم لمنافسة على مهرجان ثقافي بارز في مدينة مراكش، لكن طلبها رُفض بحجة “عدم استيفاء شروط التقديم”، بينما نفس المهرجان عُقد بتمويل ومشاركة الفاعل المسيطر دون أي مناقشة أو رقابة شفافة. وفي حالات أخرى، أفاد مهنيون بأن الأسعار التي تُفرض على الفرق الفنية والإعلامية أو الفرق التقنية تتراوح بين 30% إلى 50% أقل من المعدل الحقيقي، مقابل استغلال النفوذ للحصول على تعويضات إضافية وتفضيلات مالية للوسطاء والمطبّلين للشركة المسيطرة.

الإعلام المستقل على الهامش:

كما أظهرت التحقيقات أن وسائل الإعلام المستقلة تجد نفسها خارج المعادلة في تغطية هذه الأحداث، إذ تُمنح بعض القنوات أو الصحفيين فقط حقوق التغطية، غالباً مقابل التزلف أو الترويج. أما الإعلام الحر فلا ينال إلا “فتاتاً” من الامتيازات، في حين تُمنح التسهيلات الكاملة للقنوات التابعة أو المؤيدة للشركة المسيطرة، وهو ما يعيد إنتاج منطق “الطبل والمطبّلين” على حساب الحياد والمهنية.

غياب رقابة حقيقية:

التحقيق كشف أيضاً عن غياب أي هيئة رقابية فعّالة تتولى مراجعة عقود تنظيم المهرجانات الكبرى أو مراقبة الشفافية في الصفقات، سواء على مستوى الجهات المنتجة أو الوزارات المعنية بالثقافة والشباب. وهذا يفتح الباب أمام أسئلة حول الجهات التي تدعم هذا الاحتكار، وما إذا كانت شبكة المصالح السياسية والمالية تغطي هذا الوضع، ما يحرم السوق من التنافسية الحقيقية ويضعف فرص الشباب المقاول والكفاءات الوطنية.

تداعيات على التنمية الثقافية:

النتيجة المباشرة لهذا الاحتكار تظهر في نوعية الفعاليات نفسها. فالمهرجانات تتحول إلى عروض محدودة ومتكررة، بعيداً عن التنوع الثقافي والإبداعي الذي يُفترض أن يثري الفضاء العام. كما يُحرم الفنانون والمبدعون المستقلون من فرص حقيقية للمشاركة، بينما تتحكم جهة واحدة في منح الدعم والإمكانات، بما يعيد إنتاج نفس الأسماء والوجوه.

دعوة لإصلاح القطاع:

من هذا المنطلق، يُطالب مهنيون وصحفيون وإعلاميون مستقلون بفتح تحقيق رسمي ومستقل، يهدف إلى:

تحديد الأطراف الحقيقية التي تقف وراء هذا الاحتكار، سواء في الواجهة أو خلف الكواليس.

ضمان شفافية الصفقات المتعلقة بالمهرجانات الكبرى.

وضع آليات رقابية تمنع الاحتكار وتتيح لكل الكفاءات الوطنية الحق في المنافسة.

فالتنمية الثقافية والإبداعية في المغرب لن تزدهر في ظل منطق الاحتكار، ولا يمكن أن تستقيم سوقية الفعاليات الكبرى إذا ظل النفوذ الخاص هو المعيار الوحيد. والمطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى هو اعتماد الشفافية والمساءلة، لتكون كل الفرص متاحة للشباب والكفاءات المستقلة، بعيداً عن الطابوهات والامتيازات الملتبسة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.