أصوات-الرباط
مع اقتراب موسم العودة إلى المدارس، يتجدد النقاش حول الوضعية الراهنة للتعليم في المغرب، والتحديات التي يواجهها القطاع في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية متقلبة. يمثل الدخول المدرسي، سواء بالنسبة للأسر أو للقطاع التعليمي نفسه، محطة حاسمة تتطلب استجابات فعلية لضمان استفادة الطلاب من حقهم في التعليم في بيئة ملائمة ومحفزة. لكن هل تحقق الأهداف المنشودة، أم أن الواقع يفرض تحديات جديدة تتطلب وقفة جادة وإجراءات عملية؟
الوضعية الحالية للتعليم في المغرب:
على مدى السنوات الأخيرة، شهد القطاع التعليمي في المغرب العديد من الإصلاحات والتحديات، منها تحسين البنيات التحتية، وتطوير المناهج، وتوفير الموارد، وتوسيع شبكة المؤسسات التعليمية لتقليل الاكتظاظ. غير أن الواقع يظل يعكس معاناة المدارس في المناطق النائية، ووجود تفاوت كبير بين المناطق الحضرية والقروية من حيث جودة التعليم والخدمات المرتبطة به.
كما أن تداعيات الأزمة الاقتصادية، وفيروس كورونا، وتداعياتها الاجتماعية، أثرت بقوة على وضعية الأسر وميزانياتها، حيث اضطرت العديد من العائلات إلى تقنين النفقات، وتأجيل شراء مستلزمات الدراسة، مما يهدد بمعدل نجاح محدود للطلاب، ويزيد من نسبة التسرب المدرسي.
تحديات مالية وأمنية تواجه الأسر:
تبدأ معاناة الأسر مع اقتراب الدخول المدرسي، حيث تتضاعف المصاريف من توفير الكتب، والحقائب، والملابس، والأدوات المدرسية. ومع استمرار غلاء الأسعار وتراجع القدرة الشرائية، يجد العديد من الأسر أنفسهم في موقف حرج، يعلي من شأنه الحاجة إلى دعم حكومي ومبادرات مجتمعية للتخفيف من عبء التكاليف.
وفي ظل انتشار بعض الظواهر السلبية، كالابتزاز من قبل بعض وسطاء السوق، وارتفاع أسعار القرطاسية والملابس بشكل غير مبرر، يصبح من الضروري تدخل الجهات المعنية لضبط السوق وحماية مستهلكيها.
رؤية الإصلاح والتحديات المستقبلية:
للأسف، تظل المراجعة الشاملة لمهام المنظومة التربوية ضرورة ملحة، من خلال مراجعة المقررات الدراسية، وتوسيع البرامج الموجهة نحو الإدماج المهني، وتحسين الجودة، وضمان تكافؤ الفرص لكل فئة من فئات المجتمع. لا يكفي أن نركز على البنية التحتية فقط، وإنما يتعين علينا أيضًا تحسين جودة المعلم، وتوفير الوسائل التكنولوجية الحديثة التي تواكب الثورة الرقمية.
وباعتبار أن التعليم هو أداة بناء المستقبل، فإن الشراكة بين الأسر، والمدارس، والسلطات المحلية، والمجتمع المدني، يجب أن تتعزز بشكل فعّال، لتوفير بيئة ملائمة وداعمة للطلاب، وتحقيق التوازن بين تحسين جودة الخدمة التعليمية والحد من التفاوتات الاجتماعية.
دور الحكومة والمجتمع في دعم التلاميذ:
وفي ظل التحديات الحالية، يعتبر تدخل الدولة ضروريًا، خاصة عبر تقديم دعم مباشر للأسر ذات الدخل المحدود، وتوفير الكتب والأدوات المدرسية بشكل مجاني أو بأسعار معقولة، وتطوير برامج التكوين المستمر للمدرسين، وتحديث البنيات التحتية بشكل يتلاءم مع متطلبات العصر والابتكار.
كما أن المجتمع المدني والقطاع الخاص يمكن أن يلعب دورًا هامًا من خلال مبادرات مدرة للدخل، وبرامج التوعية، ودعم الجمعيات التي تساهم في تحسين ظروف التعليم، خاصة في المناطق التي تعاني من إقصاء وتهميش.
الدخول المدرسي هو فرصة حقيقية لبناء مستقبل البلاد، إلا أن تحقيق ذلك يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف. فالتعليم ليس مجرد استئناف للدراسة، وإنما هو استثمار استراتيجي لضمان تنمية مستدامة، وتحقيق نهوض اجتماعي واقتصادي. لذا، فإنه من الضروري أن تتحد السياسات والإجراءات لخلق بيئة مدرسية ملائمة، تحفز الطلاب على التفوق، وتساعد الأسر على تلبية متطلباتهم، وتعيد الثقة في منظومتنا التعليمية الوطنية.
وفي النهاية، يبقى الهدف الأسمى هو ضمان حق كل طفل في التعلم في بيئة آمنة، محفزة، ومتاحة للجميع، لأن بناء المستقبل يبدأ من هنا، من داخل صفوف الدراسة.